كشفت التقارير الإخبارية عن بدء قوات الاحتلال الأميركية في بناء قاعدة جديدة لها في ريف مدينة القامشلي تضاف إلى قواعدها المقامة في كلّ من سورية والعراق.. القاعدة الجديدة يتمّ إقامتها في نقطة ارتكاز في منطقة عين ديوار على مثلث الحدود السورية التركية العراقية، ايّ لها أهمية استراتيجية من حيث موقعها الجغرافي، المشرف على الحدود السورية مع تركيا والعراق، ما يكشف انّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تمارس سياسة دبلوماسية الخداع.. من جهة تزعم أنها لم تعد مسؤولة عن حماية استغلال موارد النفط والغاز في شرق سورية من قبل شركة انيرجي الأميركية المتعاونة مع قوات «قسد»، ومن جهة ثانية تعمل في الوقت نفسه على تعزيز الاحتلال العسكري الأميركي بتركيز وتوضع القوات الأميركية في نقاط استراتيجية جديدة في سورية لقطع الطريق على وصول القوات السورية أو الروسية إلى مناطق آبار النفط في محافظة الحسكة، وتسهم أيضاً في تعزيز قواتها في العراق، بقصد استخدامها من قبل الدبلوماسية الأميركية كوسيلة ضغط على بغداد ودمشق لانتزاع تنازلات سياسية تحقق الأهداف الاستعمارية للولايات المتحدة، مقابل سحب قواتها وتفكيك قواعدها في سورية والعراق. وتثبيت وجود القوى الموالية لها، انْ كان على مستوى السلطة السياسية، أو من خلال تمكين القوى الانفصالية الكردية من انتزاع مكاسب على حساب الدولة المركزية في شمال العراق، أو شمال شرق سورية، لتبقى مرتكزاً أساسياً للنفوذ الأميركي الاستعماري لمواصلة التدخل في شؤون سورية والعراق لتحقيق الأهداف الأساسية التالية:
الهدف الأول، ضمان حصول الشركات الأميركية على الحصة الكبرى من الاستثمار في عمليات استخراج وتسويق النفط والغاز في كلّ من العراق وسورية..
الهدف الثاني، منع التواصل البري بين أطراف حلف المقاومة، بما يخدم الأمن الصهيوني، ويحول دون فك الحصار الاقتصادي المفروض على سورية، إلا بقرار أميركي..
الهدف الثالث، تعزيز منظومة التجسّس، الأميركية الصهيونية، على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتغذية ودعم الجماعات الإرهابية والمعارضة للعبث بأمنها واستقرارها الداخلي.. وهذا الأمر طالما عملت عليه «سي أي آي» و «الموساد»، منذ غزو العراق، من خلال تحويل شمال العراق إلى قاعدة تجسّسية تخريبية ضدّ إيران وسورية.. وهو الأمر ذاته الذي تقوم به قاعدة «عين الأسد» الأميركية في مراقبة إيران باعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب..
الهدف الرابع، تحويل القواعد الأميركية إلى منطلق أساسي لمواصلة مدّ تنظيم داعش الإرهابي بالدعم اللازم لمواصلة هجماته في سورية والعراق، لا سيما المناطق الحدودية، لمنع استقرار البلدين، وإبقائهما في حالة استنزاف من ناحية، وربط التوقف عن مواصلة دعم داعش وبالتالي القضاء عليها، بتحقيق الأهداف الأميركية السالفة الذكر، والتوصيل إلى تسوية للصراع مع كيان الاحتلال الصهيوني، وتوقيع اتفاقات صلح واعتراف معه من ناحية ثانية..
فواشنطن تدرك انّ خروج سورية والعراق من الحرب، ونهاية داعش، وانسحاب القوات الأميركية من دون تسوية تضمن أمن واستقرار الكيان الصهيوني، وتحقيق المصالح الاستعمارية الأميركية، سيشكل انتصاراً وتعزيزاً لقوة حلف دول وقوى المقاومة، مما يحول دون قدرة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها المذكورة آنفاً، ويشكل تحوّلاً في موازين القوى في المنطقة لمصلحة قوى المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني.. وهو ما يقلق قادة العدو وإدارة العدوان في واشنطن..
من هنا فإنّ من يراهن على جنوح إدارة بايدن نحو التخلي الطوعي عن السياسة الاستعمارية، والتوقف عن محاولات تحقيق ما هدفت إليه حروب أميركا الاستعمارية والإرهابية الفاشلة، بواسطة الدبلوماسية المدعومة بالقوة العسكرية والقوى المحلية المتواطئة معها، إنما هو واهم.. فالرهان الوحيد الذي يدفع إدارة بايدن إلى التراجع والتسليم بعدم القدرة على مواصلة هذه السياسة وإجبارها على سحب القوات الأميركية، إنما يكمن في تصعيد المقاومة المسلحة والشعبية ضدّ هذه القوات الأميركية المحتلة، والقوى العميلة لها، وجعل كلفة استمرار بقاء القوات الأميركية تفوق كثيراً الفوائد التي تجنيها، ولا تستطيع تحمّلها ولا تحمّل تداعياتها على الداخل الأميركي، في ضوء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها أميركا، والمعارضة الشعبية للتورّط بأيّ حروب جديدة..
كما تؤكد التجربة انّ إنهاء سلطة الأمر الواقع التي تمثلها قوات «قسد»، مرتبط بإنهاء وجود قوات الاحتلال الأميركي التي توفر الدعم لـ «قسد»، وتعرقل الحوار مع الدولة السورية لإعادة بسط سلطتها المركزية على كلّ الجزيرة السورية، كلما حصلت تطورات لمصلحة إعادة استئناف الحوار، وهو ما حصل أخيراً حيث توقف الحوار على أثر إقدام القوات الأميركية البدء ببناء قاعدة جديدة لها في عين ديوار، مما أعطى إشارات شجعت قيادة «قسد»، وخصوصاً الجناح الأكثر ارتباطاً بالقوات الأميركية، على وقف الحوار، والعودة إلى الخطوات التصعيدية المتناغمة مع تعزيز وجود قوات الاحتلال، من خلال قيام مجموعات تابعة لميليشيات «قسد» بالاستيلاء، بقوة السلاح، على مطاحن الجزيرة ومانوك والحسكة في مدينتي الحسكة والقامشلي، وسرقت مخازن الدقيق والنخالة والأكياس الفارغة فيها بالإضافة إلى المحركات الكهربائية وقطع الغيار.. وكذلك سيطرت على مرآب السورية للحبوب وأجبرت السائقين على العمل معهم تحت تهديد الاعتقال والخطف».
انطلاقاً مما تقدّم، فإنّ إدارة بايدن تحاول الظهور بصورة من يبدي المرونة ويطرق أبواب الحوار والدبلوماسية للانسحاب من الأزمات، لكنها في الحقيقة هي تسعى الى اعتماد دبلوماسية الخداع والتضليل والابتزاز المستندة إلى تعزيز وجود قواتها العسكرية لمحاولة اتنزاع مكاسب وتنازلات فشلت في تحقيقها عبر جيوشها الإرهابية الداعشية.. ولن تتوقف إدارة بايدن عن الاستمرار في مواصلة رهاناتها على تحقيق ذلك، إلا إذا ردعت ووصلت إلى طريق مسدود، وايقنت استحالة ذلك..