أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في حديث لصحيفة "النهار" الى "اننا أطلقنا الدعوة لعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة من أجل لبنان لأن البلد وصل إلى وضع لم يعد يحتمل وأصبح مريضاً وتوقف فيه كل شيء، والأمر لا يحتاج إلى براهين: كي ننتخب رئيساً للجمهورية أهدرنا سنتين ونصف السنة. كي نسمي رئيساً للوزراء ونشكّل حكومة ننتظر نحوسنة، والانتخابات النيابية تؤجل مرارا وتكراراً."
وتابع البطريرك الماروني ان "المصارف تراجعت وأموال الناس طارت، نصف شعبنا صار فقيرا، البلد مريض، ونحن بلد عضو مؤسس وفاعل وملتزم مواثيق الامم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، فهل يترك يموت؟!"، لافتاً الى ان "مشكلتنا تكمن في عدم قدرتنا على الحوار وليس لدينا ثقة ببعضنا البعض، ولم نعد نجلس على طاولة واحدة، والجميع في متاريسهم وكلٌّ يغنّي على ليلاه، المحيطون بالمسؤول الذين يصفقون له يوهمونه أنهم كل لبنان، ومن هنا جاءت الدعوة كي نقرّ نحن كلبنانيين ان بلدنا مريض، وبأننا غير قادرين على معالجته. هل هناك أهمّ من الامم المتحدة؟ نحن لم نطالب بجيوش، ولا طالبنا بدولة تحتلنا. "القبضاي" يقدر يجمع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف كي يتفاهما على تركيب الحكومة."
وتابع: " "القبضاي" يقدر يجمع اللبنانيين على رأي واحد لحماية الدولة. إذاً لبنان مريض وعلينا تشخيص مرضه، كي نقول للامم المتحدة ساعدونا، ليس من العيب ان نقول ذلك لأنها الحقيقة..".
وسأل الراعي: "الم يكن اتفاق الطائف تدويلا، ولقاء الدوحة، وقبل ذلك مؤتمرات جنيف ولوزان... اليست التحقيقات التي جرت في تفجير المرفأ، والمحكمة الدولية تدويلا ايضا. ماذا يرفضون اذاً؟".
وفي رده على سؤال " هل الدعوة إلى مؤتمر دولي وسيلة للضغط، أم هناك اتصالات جدية في هذا الخصوص؟"، قال الراعي: "الدعوة جدية جداً. لقد تعثرت الأمور لدينا عندما لم يطبق إتفاق الطائف، لا بروحه ولا بنصه، وذلك بإقرار الجميع، مع إنه حلَّ مشاكل عدة. وفي الدستور اللبناني ثغرات عدة، ونشرت دراسات عدة لمعالجتها، لكن البلد لا يسير بشكل جيد كي يتم إقرارها، وهذه الثغرات تتسبب بمشاكل عدة ومن بينها الاختلاف بشأن كيفية تشكيل الحكومة، مثلا. هذه الامور بحاجة إلى توضيح، وبعد الطائف بثلاث سنوات كتب النائب ألبير منصور كتاباً تحت عنوان "الانقلاب على الطائف"، فالانقلاب على الاتفاق حصل منذ اليوم الأول وراح المرض يتفاقم ويتوسع، وفي العام 2016 أقيم "لقاء الجمهورية" برئاسة الرئيس ميشال سليمان بمشاركة شخصيات من جميع الطوائف، وبيّنوا المشكلات التي نعاني منها، وهذه النقاط بحاجة للتطبيق ويجب التفاهم عليها، وأنا مقتنع أننا عاجزون عن التقدم خطوة إلى الأمام في هذا البلد، ووضعنا في لبنان تراجع إلى مستوى غير موجود في العالم. دعوتي ليست للتهويل او لحرب أهلية، بالعكس، هي لتحسين الوضع لأننا نعيش حرباً أهلية من دون حرب، فالانقسامات بين اللبنانيين اشبه بالحرب".
وفي سياق متصل اكد الراعي انه لم يتحدث يوماً بقضية للمسلمين أو للمسيحيين، مضيفا: "أنا اتحدث دوماً عن اللبنانيين، وإذا تأمّنت للبناني جميع حقوقه الأساسية فهي تشمل المسيحي والمسلم. لو كانت لدينا دولة القانون والعدالة لكنا جميعنا رابحين، لبنان فسيسفساء قائم على تعددية الوحدة، إذا سلمت هذه الفسيفساء نسلم جميعنا. نحن لا نريد أن نرمي أنفسنا بين أحضان المجتمع الدولي ونصبح أضحوكة. علينا أن نشخّص مشكلتنا وأن نقرّ بأننا غير قادرين على حل هذه الأمور داخلياً، ونطلب المساعدة من الأمم المتحدة على هذا الأساس. "
وشدد الراعي على أنّ "المبادرة الفرنسية ما زالت في بدايتها ولم تتراجع ونحن نتابعها مع كل السفراء الذين نلتقيهم، والطريق طويلة"، مشيراً في رده على سؤال ان حدد الفرنسيون أين تكمن عقدة تشكيل الحكومة؟، قال الراعي: " لا أحب أن أسأل الأجنبي ولو كان صديقي، عن رأيه بالحل في لبنان. عليّ أنا أن أحدد ما هو الحل في لبنان، وأقول له إذا كان بإمكانه أن يساعدني، أنا لم أسال الفرنسي أو غيره عما هو الحل في لبنان. "
وان كان هناك دور للفاتيكان في مبادرته، قال الراعي: " طرحت الموضوع على البابا في لقاءنا الأخير في تشرين الثاني المنصرم، وأنا أقدّم دوماً أوراقاً مكتوبة، وطلبت من الكرسي الرسولي أن يعمل معنا على هذا الموضوع، والذي قاله في خطابه مع سفراء الدول ينطلق من هذه الورقة عندما دعا إلى عمل دولي في لبنان كي يخرج لبنان من المأزق الموجود فيه، ويهمّ الفاتيكان أن يستمر التعايش المسيحي الاسلامي. الفاتيكان سمعنا ويدرس الاقتراح ومن ثم يبادر."
وعما اذا كان يخاف من حصول المثالثة، راى الراعي ان "المثالثة تمسّ لبنان وكيانه. لبنان هو العيش المسيحي – الإسلامي، وكانوا يصفونه بالطير ذي الجناحين، لكن إذا وضعت له 3 أجنحة لا يمكنه أن يطير، والمثالثة هي تمزيق للنسيج اللبناني، لبنان ليس دولة طائفية، لبنان دولة مدنية تفصل الدين عن الدولة لكنها احترمت مكوناته، والولاء يجب أن يكون للبنان والمواطنة هي الأساس، أنا لبناني أولاً ومن ثم أنا ماروني، إنتمائي أنني مواطن لبناني وليس مواطن ماروني، وما يقوم به السياسيون هو شد عصب شعبيتهم المذهبية وهذا لا يجوز. وأن تضعَ قانوناً للانتخابات يراعي التقسيم الطائفي شيء، وأن تستخدم الدين لمصالحك السياسية شيء آخر."
وعن علاقته بالرئاسة الاولى قال الراعي: "نحن نحترم رئيس الجمهورية لأنه رئيسنا، ولم يزر أحد اكثر مني القصر الجمهوري في الأوقات الضرورية".
ورد على سؤال ان كان لا يزال يواصل مساعيه للتقريب بين قصر بعبدا وبيت الوسط؟، أكد البطريرك الماروني انه "أعمل على ذلك لكن بالواسطة وليس بالمباشر كما في البداية، لكن حتى بالواسطة لم تنجح، ولن أتوقف عن ذلك. نحن بانتظار أن تهدأ العاصفة الكلامية، ولن أتأخر بأي مسعى يؤمّن مصلحة اللبنانيين."
وعن التواصل بين بكركي وحزب الله لفت الراعي الى ان " التواصل مقطوع مع "حزب الله" منذ زيارتنا الى القدس، ولم يحصل أي تواصل مباشر منذ فترة طويلة، والتواصل الذي كان قائماً من خلال اللجنة التي أحييتها متوقف، لكن أرفض الرد من خلال الإعلام، أفضّل أن نلتقي ونبحث الأمور وأتمنى أن ألتقي معهم ونبحث موضوع الحياد والدعوة إلى مؤتمر دولي من أجل لبنان، أتمنى أن نجلس على طاولة حوار معهم."
وتابع الراعي رداً على سؤال ان كانت أبواب بكركي مفتوحة أمام "حزب الله"؟: " ليست مفتوحة فقط، انما أتمنى أن يحصل التواصل لخير لبنان، ونحن أحرار وليس لدينا أي ارتباط، وبإمكاننا أن نتحدث في كل شيء ومع كل الناس، وليس للكنيسة أية حسابات."
وعن رأيه في طريقة تعامل القضاء مع ملف انفجار المرفأ، سأل الراعي: " هل من المعقول أن يقوم محقق واحد بمعالجة موضوع بهذا الحجم بمفرده؟ هل بإمكانه معرفة من جاء بالباخرة ومن أوقفها والتفاصيل الباقية؟ وعندما طلب الاستماع إلى بعض المسؤولين قامت الدنيا عليه، وبهذه الطريقة لن تحل القضية. نحن طالبنا منذ البداية بتحقيق دولي، والقاضي صوان نحترمه ونقدّر جهوده لكن لا يمكنه أن يقوم بذلك وحده."
وفي رده على سؤالان كان لا يزال يحبذ أن يكون الموارنة الأقوياء هم المرشحون إلى الرئاسة؟، اضاف البطريرك الماروني: " أنا لم أقل ذلك يوماً، عندما كنا نجمعهم هنا قالوا بما أنهم الاقوياء فهم المرشحون إلى الرئاسة، وأنا قلت لهم إن الدستور يسمح لأي ماروني بالترشح إلى الرئاسة ولا يمكن حصر موضوع الترشح بكم."
وعن التدقيق الجنائي وان كان سيكشف مصير أموال اللبنانيين؟، اجاب الراعي " في هذا الموضوع ألبسوني مقولة أن "حاكم مصرف لبنان خط أحمر"، وهذا الخط لم أستعمله يوماً، علماً أنني قلت من قصر بعبدا إن التدقيق الجنائي يجب أن يبدأ من مصرف لبنان ولا يقتصر عليه. أنا قلت أن يدققوا ويحاسبوا الجميع بعدالة. يجب أن يعلم المودعون أين ذهبت أموالهم. أحمّل المسؤولية لعون والحريري عن كل وقت ضائع يزيد من حجم الخراب المالي والاقتصادي والمصرفي.".
كما اكد الراعي ان "لا خلاص للبنان من دون الحياد، فهو الباب الذي يدخلنا إلى الحلّ، لبنان أُسس على الحياد حتى العام 1969 حين سمح اتفاق القاهرة للفلسطينيين بمهاجمة إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية وبدأت الحرب اللبنانية، وعاش لبنان الازدهار حتى الستينيات لأنه كان بلداً حيادياً. لبنان حيادي بطبيعته لأنه فصل الدين عن الدولة وهو بلد تعددي، وبلد الانفتاح والاقتصاد الحر، وسياسة لبنان الخارجية حتى الثمانينات كانت تستند على فكرة عدم الانحياز وعلى اتفاق الهدنة ولا شرق ولا غرب."