بعد فترة من الثبات النسبي في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، حيث لم يكن يتجاوز سقف 9000 ليرة لبنانية رغم إقترابه منها أكثر من مرة، شهد هذا السعر، في الساعات الماضية، إرتفاعاً كبيراً على وقع حالة الإستعصاء السياسي القائمة في البلاد، نتيجة الفشل في الإتفاق على تشكيل الحكومة المقبلة.
ظهر أمس كانت اللحظة المحورية، حيث سجل سعر الصرف 8950 للمبيع و9000 للشراء، لتستمر عملية الإرتفاع في الساعات التالية حتى وصلت في المساء إلى ما يقارب 9200، أما اليوم فكان السعر قد تخطى عتبة 9400 عند الظهر، الأمر الذي من المفترض أن يكون عليه تداعيات كبيرة.
الثبات النسبي، الذي كان يشهده سعر الصرف، في القترة الماضية، كانت تُطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، لا سيما بالنسبة إلى مصيره في حال تجاوز هذه العتبة، التي كانت الليرة على ما يبدو تقاوم تخطيها، إلا أن السؤال الأساسي يبقى حول الأسباب التي قادت إلى هذا الأمر، في ظل حالة الركود التي تشهدها البلاد.
منذ فترة طويلة، تخطّى الجدل حول سعر الصرف في السوق السوداء مسألة العرض والطلب، حيث طغى الحديث عن دور سياسي في هذه اللعبة، فكان السعر يشهد إرتفاعاً أو إنخفاضاً بناء على الظروف السياسية التي ترافق المفاوضات حول تشكيل الحكومة، إذ تؤكد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أن لا أسباب مالية أو إقتصادية تبرّره بالمطلق، بإستثناء العامل النفسي الذي يدفع المواطنين إلى البيع أو الشراء، الأمر الذي من المفترض ألاّ يكون له التأثير الكبير.
في الساعات الماضية، كان الحديث الأبرز عن دور للمصارف في الإرتفاع الذي حصل، حيث تمّت الإشارة إلى أنّها تسعى للحصول على كمّيات كبيرة من العملة الصعبة، إنطلاقاً من إقتراب المهلة التي كان قد حدّدها المصرف المركزي لها، بموجب التعميم رقم 154، لتكوين سيولة في المصارف المراسلة بنسبة 3% من الودائع الموجودة لديها بالعملة الصعبة، بعد أن كان قد انتهت، في نهاية شهر كانون الأول الماضي، المهلة الممنوحة لها لتقديم طلبات زيادة الرساميل بنسبة 20%.
في هذا السياق، يوضح الخبير المالي والمصرفي نسيب غبريل، في حديث لـ"النشرة"، أن هذه الإدعاءات لا أساس لها من الصحة، ويلفت إلى أن حجم التداول بالسوق السوداء محدود ولا يخضع لأيّ رقابة أو شفافيّة بل لمبدأ المضاربة، ويشير إلى أنّ الإرتفاع في الأيّام الماضية له علاقة جزئيّة بالتشنّج السياسي القائم في البلاد، لا سيّما منذ يوم الأحد الماضي، وغياب أيّ أفق لتشكيل السلطة التنفيذية، وبالتالي عدم وجود أيّ إحتمال لبدء الإجراءات الإصلاحيّة في الوقت الراهن.
وفي حين يرى غبريل أنّ ما يتم التداول به من نظريات هو من نسج الخيال الواسع، يشير إلى أن موضوع رفع الرساميل لا ينتظر حتى اللحظات الأخيرة، خصوصاً أنه يتطلب ما يقارب 3 مليار و865 مليون دولار بالنسبة إلى القطاع المصرفي بكامله، في حين أنّ حجم التداول في السوق السوداء معروف، ويضيف: "لو كانت المصارف تلجأ إلى السوق السوداء لتأمين هذه السيولة، ما كانت جمعية المصارف لتطلب تمديد المهلة المحدّدة بسبب الوضع القائم في البلاد".
ويوضح غبريل أنه عند صدور التعميم 154، في شهر آب الماضي، لم يكن أحد يتصور أن يكون هناك هذا الحجم من الإستخفاف بالواقع المعيشي والنقدي والإقتصادي والإجتماعي، بل كان الإعتقاد أنّ ولادة الحكومة ستكون قريبة على أن يليها إنطلاق العمليّة الإصلاحيّة والعودة إلى طاولة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يقود إلى إستعادة الثقة ويشجّع مستثمرين جدد على الدخول إلى القطاع المصرفي، خصوصاً إذا ما كان هناك بدء لمفاوضات حول سندات اليوروبوند، التي تعثّرت الدولة عن دفعها منذ نحو عام.
في المحصّلة، العنوان الأساسي لحالة الفوضى التي يشهدها سعر صرف الدولار في السوق السوداء اليوم سياسي بالدرجة الأولى، الأمر الذي من المفترض أن يدفع المعنيين إلى إعادة التفكير في طريقة تعاملهم مع الملفّ الحكومي، التي باتت تشبه إلى حد بعيد عمليّة الإنتحار الجماعي.