التقدّم الكبير الذي حققته المقاومة اليمنية في محافظة مأرب واقترابها من إنجاز تحرير مدينة مأرب، ذات الأهمية الجغرافية والاقتصادية والعسكرية، رفع من منسوب القلق الغربي على نحو غير مسبوق، لما لسيطرة المقاومة الممثلة باللجان الشعبية والجيش، على المحافظة وعاصمتها، من تداعيات ونتائج، على غير صعيد، في غير مصلحة السياسة الأميركية الغربية السعودية.. للأسباب التالية:
أولاً، تحرير مأرب بالكامل سيعني سقوط آخر معقل للسعودية وحكومة هادي التابعة للرياض، وحزب الإصلاح الإخواني في شمال اليمن، وبالتالي هزيمة مدوية لقوى العدوان على اليمن، وتثبيت سيطرة تحالف اللجان والجيش اليمني على كلّ المحافظات الشمالية وصولاً إلى الحدود مع محافظات جنوب اليمن.. وإبعاد التهديد عن العاصمة صنعاء التي تبعد عن مأرب 137 كلم، وبالتالي انهيار أحلام الرياض وحكومة هادي في استعادة السيطرة على شمال اليمن انطلاقاً من مأرب…
ثانياً، تحاذي مأرب جغرافياً الحدود مع المملكة السعودية لجهة مدينتي جيزان وشرورة السعوديتين من الجهة المقابلة لمأرب.. وهذا يجعل استمرار السعودية بالعدوان، في مواجهة احتمال انتقال المعركة البرية إلى قلب هاتين المدينتين، وهو ما تتخوّف منه الرياض، وتحاول القوى التابعة لها التهويل من خطورته بالقول إنّ قوات صنعاء إذا سيطرت على مدينة مأرب سوف يؤدّي ذلك إلى سقوط خطّ الدفاع الأوّل عن مدينتَي جيزان وشرورة، وسيفتح سقوطها الباب أمام حركة «أنصار الله» لتوسيع نفوذها إلى كامل الحدود السعودية المشتركة مع اليمن.. وذهب مدير التوجيه المعنوي السابق لقوات هادي في مأرب، اللواء محسن خصروف، إلى حدّ القول: «إنّ سقوط مأرب مُقدّمة لسقوط الرياض».
ثالثاً، تحرير مأرب سيؤدّي إلى تحرير الثروة النفطية والغازية الهامة فيها، والتي كانت تستغلها السعودية والقوى التابعة لها، وتحرم أهل اليمن منها، مما سيمكن حكومة صنعاء من امتلاك موارد هامة تعزز صمود اليمنيين ومقاومتهم في مواجهة العدوان والحصار المفروض عليهم منذ بدء الحرب على اليمن… الأمر الذي سيشكل تحوّلاً كبيراً لمصلحة تعزيز تحرّر اليمن من الهيمنة والسيطرة الأميركية السعودية، إذا ما أخذنا بالاعتبار انّ أحد أهداف الحرب على اليمن هو منع اليمنيين من التحكّم في استغلال ثروتهم، من الغاز والنفط، التي يُقال انّ اليمن يحوز على كميات كبيرة منها، وخصوصاً في مأرب، وإذا أحسن استغلالها فإنها تمكنه من تنمية اقتصاده وتحسين حياة الشعب، وتحوّل اليمن إلى دولة قوية مستقلة.. كما يوجد في مأرب محطة صافر لتوليد الطاقة الكهربائية بالغاز التي تغذي العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية والوسطى… فيما سدّ مأرب يوفر المياه الريّ لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ولهذا اختيرت في القدم عاصمة للدولة السبئية، خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، وفيها عرش ومحرم بلقيس.. وكانت تشكل حصناً لصدّ الغزاة الذين سعوا إلى احتلال اليمن منذ أيام الإمبراطورية الرومانية التي عجزت جيوشها عن احتلالها… وكذلك جيوش الدولة العثمانية…
رابعاً، يعزز تحرير مأرب، الموقف السياسي لتحالف اللجان الشعبية والجيش اليمني في أيّ مفاوضات مقبلة لتحقيق التسوية للازمة اليمنية، ويحدّ كثيراً من قدرة واشنطن والسعودية وحكومة هادي على فرض شروطهم..
خامساً، سيؤدي انهيار آخر وأهمّ معقل لحكومة هادي وحلفائها، الى خلق مناخ عام بالهزيمة، وانهيار معنويات مقاتليهم، الأمر الذي سيولد تداعيات سريعة في مناطق سيطرتهم في جنوب اليمن، تتمثل باحتدام الصراعات في ما بينهم، حول المسؤولية عن الهزيمة من جهة، وحول السيطرة على الجنوب من جهة ثانية، مما سيترك نقمة شعبية واسعة تعزز موقف القوى المعارضة لوجود المجلس الانتقالي وقوات هادي المدعومة سعودياً، وتوفر ظروفاً لتحالف اللجان الشعبية والجيش اليمني لاستكمال تحرير المحافظات الجنوبية، من سيطرة قوات هادي والمجلس الانتقالي…
هذه النتائج والتداعيات المتوقعة من جراء تحرير مأرب، هي التي تقف وراء ارتفاع منسوب قلق الدول الغربية، وفي المقدمة الولايات المتحدة، والتي عبّر عنها بمسارعتها إلى إطلاق التصريحات التي تدعو إلى وقف هجوم انصار الله والقوات المسلحة اليمنية في مأرب، لمنع حصول التحوّلات النوعية في موازين القوى، وإضعاف الموقف الأميركي السعودي في المفاوضات المقترحة لحلّ الأزمة، والذي يجعل أنصار الله وحلفاءها في موقع من يملك القدرة على فرض الشروط، قبل انطلاق المفاوضات، وخلالها… لهذا فإنّ تحالف اللجان والجيش اليمني عازم على استكمال إنجاز تحرير مدينة مأرب وعدم وقف الهجوم.. فتحرير مدينة مأرب سيشكل انتصاراً نوعياً يتوّج الانتصارات التي تحققت على مدى سنوات الحرب، وهزيمة كبرى لدول العدوان والقوى التابعة لهم، وسقوط أهدافهم التي سعت إلى القضاء على أنصار الله والقوى الوطنية وإعادة إخضاع اليمن ومنع خروجه من فلك التبعية، لما بمثله من موقع جغرافي هام على طريق التجارة الدولية وفي الخليج حيث تتركز السيطرة الاستعمارية الأميركية على ثروات النفط والغاز وطرق إمدادها في مياه الخليج وباب المندب.. وهو ما جعل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدعو إلى وقف هذه الحرب لاحتواء تداعياتها السلبية على النفوذ الاستعماري الأميركي، وتعرب عن القلق من سيطرة حركة أنصار الله على مأرب، الأمر الذي قد يسهم في تسريع خطوات واشنطن لوقف الحرب، ومحاولة الحدّ من تداعيات الهزيمة، وتدفيع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ثمن هذه الهزيمة، وهو ما ظهرت مؤشراته من خلال إعلان البيت الأبيض انّ الرئيس بايدن سيتواصل مباشرة مع الملك سلمان، وليس مع ولي العهد.. في سياق إعادة تقييم العلاقات الأميركية مع السعودية.. ما دفع المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت إدارة بايدن تسعى الى تقديم محمد بن سلمان كبش فداء بتحميله مسؤولية الكارثة في اليمن، والظهور في صورة من أوقف هذه الحرب لإعادة تلميع صورة أميركا في اليمن، وتمكين الدبلوماسية الأميركية من لعب الدور المنوط بها للحدّ من الخسائر واحتواء تداعيات الهزيمة.. وإعادة ترميم وتعزيز نفوذ أميركا في اليمن من خلال التسوية السياسية.. لكن السؤال هل ستتمكن من ذلك، بعد أن أصبح هناك قوة تحرّرية يمنية تملك مشروعاً للتحرر وتسعى إلى تحقيق استقلال اليمن بعيداً عن الهيمنة والتبعية للولايات المتحدة والحكومة السعودية؟