هو التقدير. فعل يسعى الجميع نحو تحصيله، عن قصد أو بالفطرة، فالإنسان هو حالة معنوية دائمة الحاجة للحافز من أجل العطاء والإستمرارية، ومن هنا أتت فكرة تصميم مواقع التواصل الإجتماعي، حيث باتت مساحات الأفكار مذيّلةً بزرّ الـlikeليتمكّن كل صاحب فكرة أو صورة أو منشور من حصد اعجابات الآخرين، أو حتى تعليقاتهم التشجيعية، وربّما نقدهم الجارح في بعض الأحيان.
نالت مواقع التواصل الاجتماعي حيّزًا هامًا من حياة الافراد، واستهلكت المتابعة لتلك المواقع بجزء كبير نسبيًا من وقتهم اليومي.
لوحظ مؤخرًا وجود ما يسمى بالـ"Bloggers" ومشاهير الـ"Insta" او المؤثرين او الشخصيات العامة، بالاضافة الى ألقاب مستحدثة وعلى أرض الواقع ترتكز إلى خلفية ذات قيمة او محتوى مفيد.
مما يبرز لنا ظاهرة تحتاج الى التأمل والتساؤل وهي السعي النهِم الى زيادة عدد المتابعين"followers" وعدد التعليقات والـ"likes"،فيُلاحظ استعراض الذات الذي يتجاوز أحيانًا أدق الخصوصيات، كما تسمح بعض الفاشونيستا للجمهور بمعاينة تفاصيل يومه الخاص وأحياناً يصل الحد بالمبالغة الى تحويل هؤلاء المشاهير أنفسهم الى سلع، وهو ما تشجّع عليه سمات العصر الاستهلاكي من حيث عرض فيديوهات متضمنة ايحاءات جنسية وتطرف من حيث ارتداء الازياء التي تعتبر اجتماعيًا مثيرة وغير معتاد ارتداؤها من قبل الاكثرية وأفراد المجتمع، او حتى اتخاذ الوضعيات الايحائية في الصور المحمّلة على التطبيق.
عمليًا، إن السعي الحثيث للحصول على أكبر عدد من المتابعين يمكن أن يكون منطقيًا ومبرّرًا حين يكون الهدف مادي بحت. فهناك قسم يسعى للمردود المادي من خلال الدعاية لمنتجات مختلفة على صفحته، حيث أصبحت الصفحة في هذه الحالة منصّة إعلانية تسعى لها الشركات للتسويق للمنتج، لا سيما وأن وسائل التواصل الاجتماعي تفوّقت على التلفاز أحيانًا من حيث نسبة المشاهدة والمتابعة.
من جهة ثانية، نرى أنّ سعيًا آخر لكسب أكبر عدد من المتابعين بات واضحًا ولا يشكّل سرًّا حيث تنتشر صفحات بعض الفتيات التي تستخدم وسائل التواصل لكسب مردود مادي لقاء خدمات جنسيّة، وكأن بذلك تسويق مباشر او غير مباشر لنفسها وجسدها.
اما الظاهرة التي تثير التساؤل، هي الفتيات اللواتي لا يبغين أيّ مردود مادي او اي نتائج عملية تنعكس على الصعيد المهني، وبالمقابل يسلكون مسلكًا يتسم بالمبالغة بهدف زيادة عدد المتابعين والاعجابات ان كان على صعيد بذل المجهود في تحسين الصور باستخدام الفلاتر(Filters)، أو وانتقاء الملابس والمبالغة بالتفاصيل لكي تظهر بأجمل وأكمل صورة.
كل ما سبق يطرح أسئلة على بساط البحث: ما هي نسبة تقدير الذات بالنسبة لهؤلاء الفتيات؟ وماذا تعني صورة الجسد عندهنّ؟ هل هذا السلوك هو حاجة للشعور بالتقبّل والانتماء والقيمة في مجتمعهنّ ام أنه طفولة مفتقرة للحبّ والعاطفة والدعم؟!.
عندما تبحث عن الاحتياجات البشرية، فان عالم النفس الاميركي ابراهام ماسلو قال بان الانسان يحتاج الى اتّباع رغباته الفسيولوجية، ثم الامنية، ثم الى الحاجات الاجتماعية (الصداقة،الألفة الحميمة،الحياة الأسرية،الانتماء والتواصل).
بعد الحاجات الإجتماعية تأتي الحاجة الى التقدير (الاحترام،التقدير الشخصي،الشعور بالقوة والثقة والمكانة)، ثم يمضي التدرّج الى الحاجة الذاتية في التميّز والتفرّد. فالحاجة الى التقدير توجِد دافعًا طامحًا الى اشباع الرغبة المتمركزة حول الأنا، فحاجات تحقيق الذات تقترن اقترانًا وثيقًا بالسعي وراء الشهرة وحب الظهور. وبالاضافة الى ذلك فإن تقدير الذات لا يولد مع الانسان، بل هو مكتسب من خلال تجاربه في الحياة. هذا وتشكّل مرحلة الطفولة ممرًا أساسيًا لجهة تكوّن نظرة الطفل لنفسه، لتكون الثقة بالنفس هنا هي نتيجة تقدير الذات. فتتشكّل الصور الذهنيّة في العقل الباطن في فترة الطفولة المبكرة عما اذا كان الافراد أكفّاء بنظر أنفسهم ويستحقّون النجاح وجديرين بالحب ام لا.
هذ،ا وقد تخفي الرغبة في الشهرة والسعي لها بشتّى الطرق احباطًا او اضطرابًا نفسيًا غير مشخّص بالهروب من العزلة (سواء كان ذلك حقيقيًا ام بصورة افتراضية). كذلك تلعب الشهرة دور المحصّن من الاحباط عبر تصريحها بأهميّة الأفراد وتهدئة القلق الناتج عن الاصوات المنتقدة،التي كبتوها بداخلهم من الآباء والامهات وزملاء الدراسة والمدرّسين، فهم يعرضون ذواتهم بتصوير صورهم بالشكل الذي يتّفق مع مصلحتهم الذاتية واهتماماتهم بالمظهر بهدف التقييم، وعرض الذات يتحرك بدافعين هما: ارضاء الجمهور للحصول على الاعجاب، وارضاء الذات نفسها عن الصورة المعروضة، والتي هي الصورة التي يودّأن يكون عليها الذات نفسها.
أضف الى ذلك إن استخدام التطبيقات التي تقوم بتنحيف أجزاء الجسم وتغيير معالم وتفاصيل الوجه، قد يدل على مشكلة في تقبّل صورة الجسد، وإن جعل المواقع منصّة لعرض ما يتمنى المرء ان تكون عليه صورة جسده يخفف نسبة القلق موقتًا عبر قراءة التعليقات الاطرائيّة والاعجابيّة، أو حتى النقد المنطلق من الشعور بالغيرة .
في السياق نفسه، فإن الفتاة التي تسعى إلى عرض صور تُظهرها في مصاف الجميلات التي لا تشوبهن أي شائبة، ناهيك عن كل عمليات التجميل واستخدام تقنيات التنحيف والـ"filters" وغيرها، قد تكون قد عانت في طفولتها من تنمّر على الشكل ولّد شعورًا بأنّها ليست جميلة، فتأتي ردود الفعل هذه تجاه طفولة ساهمت بتشويه صورتها عن جسدها.
كذلك، فان هذه الظاهرة أدّت الى وجود نوع من المنافسة بين أصحاب تلك الحسابات والذين يتمتعون بأهداف وأفكار مشتركة. فيظهر التنافس فيما بينهم حول الوصول لأعداد المتابعين والاعجابات والتعليقات فتكون صاحبة التفاعل الأكبر هي الأشهر والأجمل بنظرهم.
ختامًا، لا يمكن تعميم العرض أعلاه على كل الساعين نحو الـ"Likes" في مواقع التواصل، نظرًا لأن كل فرد من هؤلاء ينفرد بأزمات نفسية معيّنة تقوده نحو تطرّف معيّن في سلوكه، فالأزمات والخبرات الشخصية هي التي تؤدي إلى ظهور هذه النتيجة المتطرّفة. مع العلم أنّ هناك عدّة أسباب أخرى أيضًا.