في الوقت الذي كانت فيه الأوساط السياسية تضج بالحديث عن إحتمال التمديد لولاية المجلس النيابي، بالنظر إلى صعوبة الإتفاق على قانون إنتخاب جديد وعدم رغبة العديد من القوى بحصولها على أساس القانون الحالي، كان الإتصال بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي مفاجئاً، لناحية تأكيد بري ضرورة إجراء الانتخابات النيابية الفرعية تطبيقا لمنطق المادة 41 من الدستور والملزمة لهذا الاجراء، بالتزامن مع إعلان فهمي السير بهذه الاجراءات كحدّ اقصى في أواخر شهر آذار المقبل.
أساس الإستغراب من هذه الخطوة، يكمن بأن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال كان قد أوحى، قبل فترة قصيرة، بأن ما يقوم به من إجراءات قانونية ودستورية لا يخرج عن الإطار الشكلي، نظراً إلى صعوبة إجراء الإنتخابات الفرعيّة في ظل الوضع الصحي القائم في البلد بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، الأمر الذي لا ينفصل أصلاً عن رغبة بعض الأفرقاء بعدم الذهاب إلى هذا الإستحقاق.
في هذا السياق، تبرز العديد من السيناريوهات حول أسباب هذا الموقف من رئيس المجلس النيابي، بحسب ما ترى مصادر سياسية متابعة لـ"النشرة"، الأول يقوم على أساس أن بري يمارس دوره الدستوري، حيث أنه بصفته رئيساً للمجلس النيابي معني بأي شغور نيابي، وبالتالي لا يمكن له إلا أن يدعو لإجراء الإنتخابات الفرعية، ما يعني أنه لا يخرج عن إطار الإجراءات الشكلية التي كان يقوم بها فهمي، التي لن تقود من الناحية العملية إلى حصولها، بسبب الصعوبات التي ترافق هذه العملية، إلا أن المطلوب ألاّ يتحمل هو شخصياً المسؤوليّة عن ذلك.
بالنسبة إلى هذه المصادر، غياب الحماسة السياسية لهذا الإستحقاق تعزز هذا الإعتقاد، الأمر الذي لا ينفصل عن المبالغ الماليّة التي تحتاج لها أيّ إنتخابات، مع العلم أنّ جهوداً كبيرة بذلت، في الماضي، لحسم نتيجة الإنتخابات الفرعية في صور بعد إستقالة النائب السابق نواف الموسوي، قبل إنفجار الأزمة المالية والإقتصادية، بالتزكية، رغم علامات الإستفهام التي رسمت حول دستوريّة ما حصل عند انسحاب المحامية بشرى الخليل بعد إنتهاء المهلة القانونية المحددة.
بالتزامن، هناك سيناريو آخر يتم التداول به، يقوم على أساس أن رئيس المجلس النيابي أراد أن، يوجه رسالة من وراء هذه الخطوة إلى النواب المستقلين أو من يفكر بالضغط من أجل زيادة عدد هؤلاء، خصوصاً بالنسبة لطرح الإستقالة الجماعيّة من المجلس النيابي، حيث كانت بمثابة تأكيد على الموقف السابق بأن الإستقالات، مهما بلغ عددها، لن تقود إلا إلى إنتخابات فرعية لملء المقاعد الشاغرة.
السيناريو الثالث، بحسب ما ترى المصادر نفسها، لا ينفصل عمّا يجري من تطورات على مستوى العلاقة بين "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل"، التي شهدت في الفترة الماضية إرتفاعاً في حدة التوتر السياسي بين الجانبين، ما يعني أن بري أراد من خلال إظهار الرغبة في إجراء الإنتخابات الفرعية توجيه رسالة إلى التيار، خصوصاً أن غالبية المقاعد الشاغرة في الوقت الراهن مسيحية، أي أنه يريد أن يدفع نحو إجراء إستفتاء، غير مباشر، على شعبية "الوطني الحر" في الساحة المسيحية بهدف إحراجه، لا سيما إذا ما أدت تلك الإنتخابات إلى زيادة عدد من النواب المسيحيين المعارضين له.
في المحصّلة، هناك العديد من السيناريوهات التي من الممكن أن ترسم حول أسباب هذه الخطوة من بري، إلا أن المرجح هو أنها لا تعزز فرص إجراء الإنتخابات الفرعية، لا سيما أن البلاد لن تكون، في أواخر شهر آذار المقبل، قد انتهت من المراحل الأربعة، التي كانت السلطات المعنية قد حدّدتها للخروج الآمن من الإقفال التام في مواجهة كورونا.