انها الحرب. لا كلام آخر يمكن التعبير به بشكل اوضح حول العلاقة الحالية التي تربط النائب جبران باسيل برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. كلمة باسيل بالامس التي استغرقت اكثر من ساعة، حفلت بالكثير من الامور، ولكنها حملت بعض النقاط التي تحدد الكثير من المعطيات للمرحلة المقبلة، واهمها:
1-اقرّ باسيل خسارة معركة عودة الحريري الى مهمة تشكيل الحكومة، خصوصاً وان هذه العودة وضعت رئيس التيار الوطني الحر في قفص الاتهام، واظهرته المسؤول الاول عن الوضع الذي وصل اليه البلد، فيما اعطي الحريري "براءة ذمة" بدليل تسميته من قبل غالبية النواب في الاستشارات النيابية.
2-اعلن باسيل الحرب المفتوحة على الحريري، اقلّه في المدى المنظور، لكنّه حدّد هذه المرة قواعد اللعبة، بشكل لم يعد معه من مجال لاستفراده او ليكون الوحيد في قفص الاتهام، بدل ان يتشارك هذه التهمة مع غيره. لذلك كانت موجة الاتهامات التي اطلقها بحقّ الحريري، وكشفه لبعض الامور التي حصلت سابقاً معه والاتفاقات التي تم عقدها وأدّت الى الوصول الى التسوية الرئاسيّة (ويؤخذ على باسيل في هذا السياق دخوله في التسوية وبنودها التي قامت على المقايضة في بعض المواضيع قبل ان يدبّ الخلاف مع الحريري). ومن ابرز الشروط التي حدّدها في المواجهة الجديدة، وجوب الاعتراف به كممثل رئيسي عن الطائفة المسيحيّة وعدم محاولة اقصائه او الانقلاب عليه كما فعل بعد 17 تشرين الاول 2019، بحيث شنّ الحريري حملة قوية على باسيل وحمّله مسؤولية كل الفشل الذي وقعت فيه الحكومة التي كان يرأسها، ووضع شرط العودة الى السراي انما من دون مشاركة رئيس التيار الوطني الحر. وبالتالي، فإنّ الشرط الاهمّ في هذه القواعد الجديدة هو ان باسيل سيحضر في الحكومة بشكل غير مباشر، حتى لو لم يشارك فيها التيار الوطني الحرّ، وسيلاحق شبحه رئيس الحكومة المكلّف (بعد ان يصبح رئيس حكومة فعلي).
3-اوحى باسيل انّ الحكومة المقبلة ستبقى حتى نهاية العهد، ما يعني بشكل او بآخر، انها الفرصة الاخيرة له ليستلحق حضوره على الساحة السياسية، لانّ غياب بصماته عن هذه الحكومة، سيعني عملياً تقليص حجم نفوذه وتراجعه كل المسافة التي تقدّم فيها خلال السنوات الماضية، والتي وضعته في صفوف اللاعبين الرئيسيين الذين لا يمكن تخطيهم في لبنان.
4-كان لافتاً تليين باسيل الموقف من حزب الله، حيث اشاد به واكد انه قادر معه على تأمين الحجم المعطّل للحكومة عندما تدعو الحاجة، علماً انه في الفترة الاخيرة كثرت انتقادات قياديي التيار الوطني الحر للحزب بسبب عدم وقوفه الى جانب التيار في مسائل مهمة. وفي حين توقع البعض الا يوفّر باسيل في كلمته "لطشات" للحزب، اتت الامور عكس هذه التوقعات، بما يعني رغبة حقيقيّة في الانفتاح على الحزب لاسباب عديدة، اهمها الحفاظ على حليف قويّ في الداخل، ضمن سياسة المصالح المشتركة المتبادلة.
4-استمر باسيل في حصد ثمار رفعه سلاح الدفاع عن حقوق المسيحيين، واستغلال الاخطاء التي وقع فيها اخصامه من السياسيين في هذا المجال، وخصوصاً الحريري، فدافع عن صلاحيات رئاسة الجمهورية وحقوقها وعن حقوق المسيحيين بشكل عام في الصيغة اللبنانيّة، واوحى بأن انكساره سيعني انكسار المسيحيين بشكل عام (وهو ذكّر بما حصل عام 1990 وما بعده)، كما وضع الحريري في قفص الاتهام من خلال اتهامه بالسيطرة على المسيحيين واتّهامهم، وتقويض الرئيس والتعدّي على حقوق الرئاسة، وهو امر بالغ الاهمية والحساسيّة لدى المسيحيين. غير انّه لم يكن موفقاً في مقاربته لهذا الموضوع من ناحية المقارنة بما قاله له الرئيس السوري بشار الاسد حول اهميّة ووجود المسيحيين في لبنان وعدم تهميشهم، لانّ الامر انقلب عليه. فهو اراد ان يشير الى انّه حتى السلطات السوريّة تعلّمت من اخطاء تهميش المسيحيين في لبنان فيما لم يتعلم الحريري ذلك، لكن ادخال الاسد في هذه المسألة كان عنصراً سلبياً وليس مساعداً.
هذه النقاط وغيرها الكثير توحي بأنّ الحرب طويلة بين الرجلين، وانّ المرحلة المقبلة ستشهد شدّ حبال الى ان تتمّ التسوية الجديدة التي ستعطي للجميع فرصة اعادة المياه الى مجاريها.