تستمر المراوحة الحكومية في لبنان، ويتبادل أطراف النزاع الاتهامات، ويُلاحظ تشكّل نوع من جبهة واسعة من المنظومة السياسية القديمة أي منظومة اتفاق الطائف نفسها تحاول أن تضغط على الرئيس عون للتنازل، فتطالبه بالاستقالة، والبعض منهم يطالب بالتدويل وبتحويل القضية الى الأمم المتحدة ، وكأن لا يكفي لبنان ما يعيشه من تدخلات خارجية في شؤونه ومن عقد مفتعلة وشروط يضعها الخارج لتشكيل الحكومة.
واليوم، يبدو أن الطاقم السياسي نفسه الذي تآمر على ظاهرة ميشال عون لتمرير اتفاق الطائف (زعماء الميليشيات القديمة)، وبغطاء من سيد بكركي (الراعي اليوم، صفير بالأمس) يحاول تكرار تجربة الاستقواء بالخارج، والتي شهدناه في 13 تشرين الأول 1990.
واللافت ان هؤلاء الذين يعتقدون أن إعادة عقارب الساعة الى الوراء ممكن، لا يدركون أن الظروف الداخلية والاقليمية والدولية مختلفة بشكل كبير عن ظروف عام 1990، حين انهار الاتحاد السوفياتي وتفرّد الأميركيون بحكم العالم، وعقدوا اتفاقاً مع الرئيس السوري حافظ الأسد، أطلقوا بموجبها يده في لبنان مقابل الدخول معهم في حلف دولي لتحرير الكويت.
هذا من ناحية المقارنة مع حقبة التسعين من القرن الماضي، أما بالنسبة للقراءة الموضوعية للتطورات الداخلية والخارجية الاقليمية والدولية، فيمكن أن نشير الى ما يلي:
1- بخسارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابات، خسر المحور السعودي في المنطقة صديقاً وحليفاً وداعماً. واليوم، تتغير المقاربة الأميركية في المنطقة بشكل جذري مع وصول الرئيس بايدن، الذي سيتخلى عن سياسة الضغوط القصوى لصالح الدبلوماسية والعودة الى الاتفاق النووي مع إيران، وإدارة الأزمات في المنطقة بدل إشعالها.
وهكذا، عاجلاً أم آجلاً، سيضطر المحور السعودي الى تسهيل تشكيل الحكومة في لبنان.
2- خلال عهد ترامب، راهن بعض اللبنانيين على الاستقواء بالخارج وعلى انتصارات كبرى في المنطقة تتيح لهم التحكم بمفاصل السياسة اللبنانية وإقصاء الآخرين وإلغاءهم، ونذكر على سبيل المثال الشواهد التالية:
- الرهان على عاصفة الحزم التي اعتقد البعض انها ستمتد من اليمن الى لبنان وتطيح بالخصوم بلا هوادة، ومن منا ينسى كيف خرج بعض المعلقين والسياسين (تشرين الثاني 2017 ) يهددون بعاصفة حزم على لبنان!.
- التهديد بنقل المعركة الى داخل إيران (ولي العهد السعودي، حزيران 2017)، والتسبب بعدم استقرار داخلي نتيجة الضغوط القصوى والعقوبات والتجويع، والرهان على قيام الشعب الايراني بالثورة والتخلص من نظامه!.
- الرهان على هجوم أميركي اسرائيلي على إيران يقضي على النظام الايراني برمته، وعندها يتم التخلص من حزب الله في لبنان!.
- الرهان بأن العقوبات على الشعب السوري وتجويعه نتيجة "قانون قيصر"، ستعطي بالسياسة نتائج لم يستطع الميدان أن يحققها، وبالتالي سيسقط الاسد في سوريا، وسيضعف معه حزب الله وحلفاؤه في لبنان!.
- الرهان بأن ثورة 17 تشرين الأول 2019، ستحقق انقلاباً كبيراً في لبنان وستدفع الى تغيير سياسي يعطّل كل نتائج الانتخابات النيابية التي حصلت عام 2018، والتي أعطت الغالبية للتيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائه.
نذكر نموذجاً عن الرهانات اللبنانية لملاقاة أجواء إقليمية ودولية، جميعها باءت بالفشل وخاب أصحابها. وبما أن التاريخ هو المعلم الأكبر، نستطيع أن نؤكد اليوم، أن أصحاب هذه الرهانات نفسها سيخيبون، وسيعودون الى التسوية الداخلية لكن بعد أن يكونوا قد هدروا الوقت وأضاعوا على اللبنانيين فرص الاستقرار الداخلي برهاناتهم.