على وقع حالة الاستعصاء التي تشهدها الأزمة اللبنانية لا سيما على المستوى السياسي، نتيجة العجز عن تأليف الحكومة العتيدة في ظل الخلافات الداخلية، خصوصاً بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والتطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، يبدو أن البلاد مقبلة في الفترة المقبلة على موجة من التصعيد المتبادل.
في هذا السياق، تبرز العديد من العناوين السياسية الخلافية بشكل شبه يومي، من الدعوات إلى التدويل، سواء تلك التي طرحها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أو تلك التي رافقت قرار تنحية المحقق العدلي السابق في جريمة إنفجار المرفأ القاضي فادي صوان، وصولاً إلى المبارزة الطائفية والمذهبية حول الحصص والصلاحيات، التي تعود في أصلها إلى فشل نظام الطائف عن معالجة الأزمات المتراكمة.
في الفترة الماضية، سعت بعض الجهات المحلية إلى الدخول على خط الأزمة الحكومية، عبر طرح مجموعة من المخارج التي تقود إلى ولادتها سريعاً للعمل على الحد من تداعيات الأزمات المتوالية، إلا أن جميع هذه الجهود لم تنجح في الوصول إلى أي نتيجة تذكر، بل على العكس من ذلك أكدت عدم القدرة على إنتاج الحلول قبل تبدل المعطيات الخارجية، لا سيما الإقليمية، القائمة، نظراً إلى أن أغلب الأفرقاء المحليين، بحسب ما ترى مصادر سياسية متابعة عبر "النشرة"، غير راغبين أو غير قادرين على تقديم أيّ تنازلات من تلقاء انفسهم في هذه المرحلة.
المشكلة الأساس، من وجهة نظر هذه المصادر، أن تلك المعطيات ليس من السهل حصولها في وقت قريب، نظراً إلى أن غالبية اللاعبين الإقليميين يبحثون عن كيفية تأمين مصالحهم في بداية ولاية الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، بينما أولويات إدارته لا تبدو في منطقة الشرق الأوسط، بسبب رؤيتها التي تعتبر أن التهديد الأساسي يكمن في الصين وروسيا، ومصلحتها هي في تعزيز علاقاتها مع الحلفاء التقليديين في أوروبا، وهو ما تُرجم بشكل عملي من خلال تأخّر الإتصال الهاتفي بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
ما يهمّ على مستوى الأزمة اللبنانية، هو الإنعكاسات التي من الممكن أن تحصل لهذه التطورات، حيث الرهان الأساسي على أي تطور إيجابي قد يحصل في مسار العلاقات الأميركية الإيرانية، إلا أن هذا الأمر، رغم الحماسة التي تبديها واشنطن، لا يبدو بالسهولة التي يتصورها البعض، بالنظر إلى رغبة العديد من اللاعبين الدوليين في ضم ملفّات أخرى إلى مفاوضات النووي، الأمر الذي ترفضه طهران بشكل مطلق، ولا يبدو أنّها في وارد المساومة عليه.
من وجهة نظر المصادر نفسها، الرهان الآخر الذي من الممكن البناء عليه هو ما يمكن أن يقوم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى السعودية، لكن من حيث المبدأ الآمال المعلقة على باريس تراجعت في الفترة الماضية، نظراً إلى أن دورها لا يخرج عن إطار رعاية إتفاق قابل للتطبيق، وتشير إلى أنّ هذا الأمر غير متوفّر في الحالة اللبنانية حتى الآن، ما فتح الباب أمام الجانب الروسي لبدء مجموعة من الإتصالات، بهدف جسّ النبض حول إمكانية أن يكون لموسكو دورا ما.
وفي حين ترى المصادر السياسية المتابعة أن هذا الواقع قد يعني أن البلاد أمام إحتمال إستمرار حالة الفراغ القائمة فترة طويلة، تشير إلى أن الخطر يكمن بالمؤشرات المالية والإقتصادية الضاغطة القابلة للإنفجار في الشارع بأيّ لحظة، لا سيما مع إستمرار التدهور في سعر صرف الليرة مقابل الدولار وبدء عملية رفع الدعم عن السلع الأساسية بطريقة غير مباشرة، لكن هذه المرة مع إرتفاع لافت في مستوى الخطاب الطائفي والمذهبي.
ومع ترجيحها إستمرار عمليّة رفع السقوف السياسية في ظل حالة الإستعصاء القائمة، نظراً إلى أنّها من أساليب عمل القوى المحلّية منذ سنوات طويلة، تلفت هذه المصادر إلى أنّ العامل الأساسي الذي على ما يبدو يتجاهله الكثيرون هو أن الساحة مفتوحة على مختلف محاولات اللعب بإستقرارها، وهو ما ترجم في الفترة الماضية من خلال ما حصل في مدينة طرابلس على هامش التحركات الشعبية الرافضة لقرار تمديد الإقفال التام، وبعد ذلك عبر عملية إغتيال الناشط السياسي لقمان سليم.
في المحصّلة، تؤكّد المصادر نفسها أن المعطيات الحالية لا توحي بإمكانية التوصل إلى اتفاق على تشكيل الحكومة في وقت قريب، إلا أن ذلك لا يلغي إمكانية حصول خرق ما في أيّ وقت، لا سيما في حال حصول أي تطور إيجابي على المستوى الإقليمي، لكن ما يقلقها هو إمكانية اللعب بورقة الشارع أو الأمن في الوقت الضائع.