لطالما اطلق على رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط لقب "بيضة القبان" في المعادلة السياسية اكان في الحكومة او مجلس النواب، نظراً الى مواقفه المتغيّرة في السياسة والتي تصب تارة في خانة، وطوراً في خانة اخرى، وفي ظل تمسك كل فريق بمواقفه، كانت الجهة التي يرسو على شاطئها موقف جنبلاط هي التي تكسب الرهان. اما اليوم، فلم يعد جنبلاط يحظى بهذه التسمية، ولا بهذه الميزة، فهو وان غيّر مواقفه السياسية، لم يعد من المهم معرفة اين سيرسو موقفه، لان بحر المشاكل والصعوبات اخذ منحى مغايراً، ويسود حالياً ضياع دولي بفعل عدم حسم اميركا اولوياتها الدولية، وتعاطيها مع ملف الشرق الاوسط ومنه لبنان بطبيعة الحال، بطريقة بطيئة.
في المقابل، يجد حزب الله نفسه في موقف حرج سياسياً، فهو على "خط التماس" السياسي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون من جهة ثانية. ولا شك انه اليوم من خلال موقفه، قادر ان يكون "بيضة القبان" في هذه المعادلة، انما لا يزال لا يرغب في لعب هذا الدور او حمل هذا اللقب، نظراً الى انعكاساته الداخلية التي لا تصب في صالحه، لذلك يحاول الابتعاد عن هذا الموقف قدر الامكان، ولا يبدو ان سياسته ناجحة في هذا السياق حتى الآن. يرى الكثيرون ان موقف الحزب سينجلي بشكل واضح بعد ان تتضح صورة العلاقة بين واشنطن وطهران، وهو امر بديهي ولا جديد فيه، غير انه عندما ينقشع غبار هذه العلاقة، لن يكون هناك من حاجة لـ"بيضة قبان" اياً تكن الجهة التي ستحمل لقبها، لانه في هذا الوقت يكون كل الوضع قد تغيّر وعرف كل طرف وكل جهة الموقع الذي سيكون فيه، ولن يبقى شدّ الحبال على هذه الوتيرة من القساوة والشدّة، بل سيشهد ارتخاء نسبياً كفيلا بحل معضلات تبدو مستحيلة وتتحول بسحر ساحر الى مشاكل بسيطة يمكن تخطيها بموقف من هنا او كلمة من هناك.
لذلك، فإن التعويل على موقف حالي من الحزب لترجيح كفة على اخرى، لا يزال بعيداً عن الواقع، وما تم تسريبه من معطيات ومواقف حول تأييد الحزب لبقاء رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وتأييده في عدد من النقاط وعدم قبوله في المقابل بكسر موقف عون، انما يصب في هذه الخانة. فماذا يعني هذا الكلام، بما ان جوهر الخلاف هو بين الرجلين وعلى نقاط معروفة ولو ان كلاً منهما حوّر شكلها دون المسّ بمضمونها؟ انه بكل بساطة محاولة تأجيل حسم الموضوع، لان وقوف الحزب الى جانب الحريري ومن خلفه بري، يعني حكماً وضع اسفين في العلاقة مع عون والتيار الوطني الحر وهو امر سيحرج الحزب داخلياً واقليمياً وسيفقده حليفاً يحتاج اليه بقدر حاجة هذا الحليف له. اما وقوفه الى جانب عون ومعه التيار الوطني الحر، انما يعني خلق مشاكل داخل الطائفة الشيعيّة من جهة، وحساسية كبيرة مع الطائفة السنية التي ستعتبر ان الحزب يسعى من خلال موقفه هذا الى تأجيج الخلاف السني-الشيعي في وقت حرج، وهو امر يتفاداه الحزب منذ فترة طويلة ونجح في خفض وتيرته عندما كانت الخطورة في اوجها.
لم يعتد الحزب ان يكون "بيضة القبّان" خصوصاً وانه يعتمد على مواقف اساسية لا تتغير بسهولة، ولكن واقع الحال يفرض عليه التأقلم مع هذا اللقب، وسيكون من الصعب عدم متابعة ما سيقوم به للخروج من هذا الوضع قبل الوصول الى صورة واضحة عن السياسة الاميركية في المنطقة بشكل عام، وعن كيفية التعاطي مع ايران بشكل خاص.