قبل نحو اسبوعين، كان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع لا يرى في طرح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عقد مؤتمر دولي لطرح قضية لبنان، باباً للخروج من الأزمة، ويعتبره "كناية عن صرخة وجع ويأس من أداء السلطة الحاكمة وممارساتها". لكن اليوم يبدو أن الحزب وجد أن الأولوية تكمن بالإنضواء تحت عباءة بكركي في ما تطرحه، لا سيما بعد خطاب أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، الذي تناول فيه موضوع التدويل.
قبل الخطاب، كان حديث جعجع أن طرح البطريرك الماروني لا يقدم الإنقاذ على المدى القريب فيما الوضع لم يعد يحتمل، بالرغم من تشديده على أن جوهر الدعوة صحيح ويؤيّده بالمطلق. ويرى أنّ المطلوب الإنقاذ السريع الّذي لا يمكن أن يكون إلا عن طريق الإنتخابات النّيابية المبكرة، التي يطالب بها "القوات" منذ تاريخ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.
في الأيام الماضية، برز تحرك نواب تكتل "الجمهورية القوية" نحو تقديم عريضة للأمم المتحدة، هدفها المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دوليّة في إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي. إلا أن ما ينبغي التوقف عنده في هذا المجال، بحسب ما تشير مصادر متابعة، هو أنّ هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها، نظراً إلى أن تجمعات أخرى أقدمت على هذه الخطوة في وقت سابق. في حين أنها قد تكون دون أي جدوى نظراً إلى أنها تحتاج إلى واحد من أمرين: الطلب من الحكومة اللبنانية أو بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، والأمران من غير المتوقع أن يحصلا.
بالتزامن مع هذا التوجه، الّذي جاء بعد قرار تنحية المحقّق العدلي السابق في القضيّة القاضي فادي صوان، كان الحزب يتحدث بشكل مباشر عن أن أنصاره سيشاركون في أيّ تحرك داعم لمواقف البطريرك الراعي، الأمر الذي ترجم سريعاً بالدعوات، التي انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي، للتجمّع في بكركي يوم السبت المقبل، لدعمه والمطالبة معه بدعم حياد لبنان وتنظيم مؤتمر دولي من أجله، في وقت يزور فيه وفد من "الجمهورية القوية" بكركي اليوم.
ما تقدّم، يقود إلى معادلة بدأت تتّضح أكثر في البلاد في الأيام الماضية، بحسب ما ترى المصادر نفسها، عنوانها الأساسي التنافس على الساحة المسيحيّة بين توجّهين: الأوّل يقوده "التيار الوطني الحر" تحت عنوان الدفاع عن حقوق المسيحيين في الدولة، عبّر عنه بشكل واضح رئيس التيار النائب جبران باسيل في مؤتمره الصحافي يوم الأحد، أما الثاني فهو ذلك الذي يقوده البطريرك الماروني بشكل مباشر، ويعتبر أن لا حلّ إلا بتدويل الأزمة، التي هي في الأصل مدوّلة بدليل المؤثرات الخارجية فيها.
هذا الواقع، بحسب ما تؤكّد هذه المصادر، من المفترض أن يتمظهر بشكل أوضح في المرحلة المقبلة، لا سيما مع غياب الأفق التي تشير إلى إمكانية معالجة الأزمة اللبنانية في وقت قريب، على الأقل على المستوى الحكومي، وبالتالي حدّة الخطاب السياسي من المفترض أن ترتفع أكثر، وهذا الأمر من المرجح أن يترجم بشكل أوسع في الساحة المسيحية تحديداً، نظراً إلى أن التوجهات على باقي الساحات شبه محسومة، ومن المعروف أن هذه الساحة معنية أكثر من غيرها بالعديد من الإستحقاقات الإنتخابيّة المقبلة، خصوصاً النيابية والرئاسية.
في المحصّلة، يبدو أن "القوات"، بحسب ما ترى المصادر المتابعة، يريد في هذه المرحلة الإلتصاق أكثر بمواقف البطريرك الماروني، لا سيما أنّ الحزب يعتبر تاريخياً أقرب إلى بكركي من "التيار"، وهو يراهن على المكتسبات التي من الممكن أن تأتي من وراء ذلك، خصوصاً أن المواجهة مع "الوطني الحر"، بشكل مباشر، قد لا تأتي بالنتائج نفسها.