مع إنتهاء المُهلة التي حدّدها مصرف لبنان للمصارف اللبنانيّة، لرفع رأسمالها بنسبة 20%، ولإمتلاك حساب خارجي مُجرّد من أيّ إلتزامات لدى المصارف المُراسلة لا يقلّ عن 3% من مجموع الودائع بالعملات الأجنبيّة، ولحثّ المُودعين الذين حوّلوا إلى الخارج مبالغ تفوق قيمتها 500 ألف دولار على إعادة ما بين 15 و30 % منها إلى لبنان(1)، كثرت الإشاعات التي يتداولها الرأي العام. وأبرز الأسئلة المَطروحة: هل صحيح أنّ بعض المصارف فشلت في الإلتزام وهي مُعرّضة للإفلاس؟ وهل صحيح أنّ جزءًا من مليارات الدولارات المُحوّلة إلى الخارج ستعود إلى لبنان قريبًا؟ وهلصحيح أنّ المصارف اللبنانيّة ستُعاود الدفع بالدولار الأميركي، ما بين 500 و1000 دولار أميركي في الشهر لأصحاب الحسابات "المُدَولرَة"؟.
بحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ أغلبيّة المَصارف إستوفت الشُروط التي وضعها مصرف لبنان، والأقليّة الباقية التي فشلت حتى الساعة في الإلتزام بالمعايير التي وُضعت، تعمل بالتنسيق مع المصرف المركزي على مُعالجة وضعها، ضُمن إطار إعادة هيكلة شاملة ستطال كامل القطاع المصرفي في لبنان، وليس المصارف الضعيفة نسبيًا فحسب. والقرار المُتّخذ من المصرف المركزي يقضي بمنع إفلاس أيّ مصرف، لأنّ أزمة الثقة الهائلة التي ضربت القطاع المصرفي، والتي دفعت المُودعين إلى التوقّف كليًا عن إيداع أيّ أموال في المصارف، لا تتحمّل أيّ ضربة جديدة. وبالتالي، سيتمّ العمل على مُساعدة أيّ مصرف مُتعثّر، لإيجاد المخرج المُناسب له، من بين مجموعة من خيارات إعادة الهيكلة، بدءًا بتقليص عدد الفروع وحجم الكادر البشري العامل، وُصولاً إلى الدمج في مصارف أكبر. وبالتالي، السيناريو القائم حاليًا على مُستوى العمليّات المصرفيّة، سيبقى مُعتمدًا في كل المصارف بدون إستثناء، بغضّ النظر عن أيّ عمليّة إعادة هيكلة قد تحصل، حيث أنّه لن يكون لها أيّ تأثير مُباشر على المُودعين أنفسهم. وتعمل حاليًا لجنة الرقابة على المصارف على دراسة الملفّات التي إستلمتها من البنوك، على أن ترفع قريبًا توصياتها إلى المجلس المركزي الذي سيأخذ القرارات المناسبة بشأن كلّ منها.
بالنسبة إلى بند إستعادة جزء من الأموال المُحوّلة إلى حسابات مصرفيّة خارجيّة، من قبل مجموعة من كبار المُودعين، فإنّها جاءت تحت بند الحثّ على التنفيذ وليس تحت بند الإلزام بقانون نافذ، ما يعني أنّ لا فرض مُباشر على المعنيّين بهذا الإجراء لتطبيقه! لكن من الضروري الإشارة إلى أنّ هذا البند غير المُلزم، يتضمّن فقرة تتحدّث عن إمكان تعرّض المبالغ المُحوّلة إلى الخارج، إلى تحقيقات لا ينطبق عليها بند السريّة المصرفيّة، تشمل التدقيق في مصادر هذه الأموال، وفي مدى خُضوعها للضرائب، وفي مدى إرتباطها بمسائل مثل الفساد والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إلخ. من هنا، فإنّ أكثر من مُودع قد يُفضّل الإلتزام بإعادة جزء من هذه الأموال المُحوّلة إلى الخارج، إلى المصارف اللبنانيّة، لتجنّب هذه المُساءلة التي قد تفتح أبوابًا يُفضّل أن تبقى مُغلقة(2)!.
بالنسبة إلى المَعلومات التي إنتشرت في لبنان خلال الأيّام القليلة الماضية، بأنّ المصارف التي رفعت رأسمالها والتي ستستفيد من بند إستعادة جزء من الأموال المُحوّلة إلى الخارج، سُتعاود التسديد بالدولار الأميركي، للمُودعين الذين يملكون حسابات بالدولار، وذلك بما لا يقلّ عن 500 دولار لكل مُودع شهريًا، وُصولاً إلى 1000 دولار وحتى لأكثر من ذلك، تبعًا لقيمة الوديعة الإجماليّة، فإنّها أقرب إلى التمنيّات منه إلى الواقع للأسف. فعلى الرغم من إمتلاك كل المصارف من دون إستثناء، مبالغ ماليّة جيّدة بالدولار، فإنّ المَعلومات المُتوفّرة تدلّ على أنّ لا مُعاودة للدفع بالدولار في المرحلة المُقبلة من قبل المصارف، حيث سيستمرّ العمل بالدفع بالليرة اللبنانية لودائع الدولار المَسحوبة، وذلك على سعر الصرف الذي كان جرى تحديده في تعميم مصرف لبنان رقم 151 الصادر في 21 نيسان 2020، في تعدّ مُستمر على أموال المُودعين. إشارة إلى أنّ مصرف لبنان كان قام قبيل إنتهاء مَفعول هذا التعميم في 21 تشرين الأوّل الماضي، بتمديد مفاعيله حتى 31 آذار الحالي عبر إصدار التعميم رقم 572. وبالتالي السؤال الذي يفرض نفسه حاليًا: طالما أنّ المَصارف تتهرّب من تسديد ودائع الدولار للمُودعين بالعملة الأميركيّة، وبعد أن وصل سعر صرف الدولار إلى عتبة العشرة آلاف ليرة لبنانيّة، مع ما يعنيه هذا الواقع من إقتطاع لأكثر من 60% من كل ألف دولار يسحبها أيّ مُودع، هل سيتمّعلى الأقلّ رفع قيمة السحب بالليرة اللبنانية لودائع الدولار عبر تعميم جديد، أم سيلجأ مصرف لبنان قبيل إنتهاء الشهر الحالي إلى تمديد تعميمه السابق مُجدّدًا على الرغم من التضخّم الهائل الذي حصل؟.
المُشكلة أنّه في الوقت الذي تغرق فيه الطبقة السياسيّة اللبنانيّة بخلافاتها، في إنفصال تام عن الواقع، وعن مشاكل المُواطنين الهائلة، وفي الوقت الذي تنطبق على الحُكومة المُستقيلة كل الألقاب ما عدا "حُكومة تصريف الأعمال"، تسير مُختلف القطاعات، ومنها مصرف لبنان والمصارف، وفق مبدأ "كل مين إيدو إلو"، والمواطن اللبناني هو الذي يدفع فواتير القهروالذلّ والسرقة المَوصوفة لأمواله والإعتداء المُتواصل على أدنى حُقوقه بالعيش بكرامة!.