لامس الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة ليبدأ بذلك مرحلة جديدة من القفز التصاعدي، فمنذ عام تقريباً كان الدولار يبلغ حوالي الالفين وخمسمئة ليرة لبنانية وبدأ بالإرتفاع ليصل الى خمسة آلاف ليرة فسبعة آلاف ويبلغ اليوم العشرة آلاف.... هذا كلّه يحدث في وقت أقفلت المصارف أبوابها في 17 تشرين الأوّل 2019 فحُولّت الأموال الى الخارج أو الأصحّ "هُرّبت" فيمابقيت أموال اللبنانيين محتجزة.
كثيرة هي الأحداث التي جرت في لبنان منذ عام، إضافة الى الأوضاع الإقتصادية الصعبة، وطبعاً كلّها عوامل مؤثّرة ولكن لا شيء مميّز من شهر حتّى اليوم يتسبب برفع الدولار بهذا الشكل الذي شهدناه مؤخراً، وهنا الكلام يتأرجح بين من يقول إنها "لعبة"،وبعض من يعتبرون أن السبب هو جمع المصارف الدولارات من الأسواق لتزيادة رأس مالها لدى المصارف المراسلة... فما حقيقة الأمر؟.
مسار الارتفاع تصاعدي
"هناك تقلبات في موضوع إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة إضافة الى مسار تصاعدي". هذا ما يؤكده الخبير الإقتصادي وليد أبو سليمان لـ"النشرة"، مشيرا الى أنه "منذ عام كان الدولار بـ2500 ليرة اليوم وصل الى10 آلاف ليرة وكافة المؤشرات الإقتصادية سيّئة ولا إجراءات للخروج من هذا الوضع". في حين أن الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي يشدّد على أن "الحدث الطارئ للارتفاع أننا مررنا بفترة إقفال طويل وإعادة فتح القطاعات ومنها التجارة والوضع السياسي مأزوم إضافة الى تفكّك الدولة وتعاظم الكتلة النقدية بالليرة".
الطلب أكثر من العرض
يشرح وليد أبو سليمان ان "الأسباب التي أدّت الى إرتفاع الدولار ليبلغ هذا المستوى هو الشحّ المتزايد لدى مصرف لبنان بالعملة الصعبة فبات لا يستطيع أن يدعم حتى السلع الاساسية"، معتبرا أنّ "ما قاله المسوؤل عن موزعي المحروقات فادي أبو شقرا ملفت خصوصا لناحية تأكيده انه منذ عشرة أيّام لم يتمكنوا من فتح اعتمادات لاستيراد المواد"، مضيفا: "لا دولارات، والطلب أكثر من العرض وكلما كثُر الطلب إرتفع الدولار". هذا الكلام يتبنّاه يشوعي أيضًا، لافتاً الى أنه "من الأسباب الأخرى لارتفاع سعر الصرف هو أن المواطن خائف ويذهب بإتجاه سحب عملته الوطنيّة وشراء الدولار، والتاجر يقوم بشرائه، إضافة الى Application وهذا كلّه مصحوبًابعوامل أخرى أدّت الى فقدان العملة الخضراء"، مضيفاً أيضاً: "هناك العامل النفسي الذي يفعل فعله في المسألة".
الدولار مقابل شيك
"لا نستطيع أن نقول إن المصارف هي السبب في هذا الارتفاع للدولار وأنها هي من جمعت الدولارات من الأسواق لضخ 3% من ودائعها بالمصارف المراسلة". هذا ما يؤكده يشوعي، مشيرا في نفس الوقت الى "وجود مصارف أخذت الدولارات من الناس مقابل شيك مصرفي بكميّة أكبر من المبلغ الذي حصلت عليه"، مشددا على أن "المطلوب حالياً هو توفير العملة الخضراء ليرتاح السوق،والدولارات موجودة في مصرف لبنان والحاكم رياض سلامة لا يريد أن يفرج عنها"، مؤكّدا: "عندما يفرج المركزي عن أموال المودعين يرتاح السوق، ولا وجود لغطاء قانوني يسمح له بالقيام بما قام به، فما تمّ هو مصادرة للأموال وسلامة صادر أموال الناس منذ 30 سنة"، داعيا الى "ردّ أموال المودعين وعدم نهبها كما نهبت الـ54 مليار دولار سابقاً".
يعود أبو سليمان ليشدّد على أن "المطلوب حالياً هو تشكيل حكومة والبدء بالاصلاحات وتصحيح الخلل بميزان المدفوعات"، معتبرا أنه "إذا تبقّى لدينا إحتياطات نستطيع لجم إرتفاع سعر الدولار ولكن إذا بقيت الأمور هكذا سيرتف حكما".
في المحصّلة إرتفع الدولار اليوم ولا سقف محدّد لارتفاعه... والمواطن يعيش من "قلّة الموت"، مع وجود سياسيين فاشلين بكل ما للكلمة من معنّى لا همّ لهم أبدًا في ظلّ حكومة مستقيلة غائبة عن الوعي، ورئيس حكومة مكلّف سائح لا يعبأ بأنين مواطنيه ويستجدي حلوله مرة من الشرق وأخرى من الغرب، وهو لا يستطيع "تقشير بيضة" من دون هذا الخارج.