تصاعدت منذ ايام المواقف التي تشير الى انّ السعودية هي إحدى العقبات الاساسية التي تمنع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من انهاء الموضوع الحكومي، خصوصاً وان الاتصالات والمساعي (وفق المعلومات والمصادر) أفضت الى حل مسألة "الثلث المعطّل" التي كانت قد اخذت مداها في اعتبارها "أم العقد" الحكومية. ولكن، ازاء هذا الكلام، انقسمت المعطيات حول حقيقة الدور السعودي في الملف الحكومي، بين من يؤيد بقوة "عناد" الرياض في وجه الحريري، ومن يعتبر ان الامر فيه تضخيم للامور والمسألة لم تعد محصورة بيد السعودية.
ما تم جمعه من مؤيدي الفكرة الاولى، هو ان السعودية التي باتت تخسر اوراقها بسرعة في المنطقة والعالم، رأت في لبنان ورقة خلاص لها، وتحديداً في الحريري الذي تربطه مصالح شخصيّة هناك لا تخفى على احد. واوضح مؤيّدو هذا الموقف، ان ابرز دليل على كلامهم يكمن في عدم قطع الحريري الحبل مع المملكة على الرغم مما حصل معه عام 2017، حيث تراجعت العلاقة كثيراً وفُقد عامل الثقة، الا انّه بقي مرتبطاً بالسعودية نظراً الى المصالح التي يرغب في عدم خسارتها بالكامل، والتي تبقى قيد التصفية وينتظر ان ينقذ ما يمكن انقاذه في هذا المجال. وفي حين يكمل هؤلاء ويعترفون بأن المصالح السياسية مختلفة تماماً بين الطرفين، الا انهم يصرّون على ان المصالح الشخصية لا تزال تربط الحريري بموافقة سعوديّة على تحرّكاته ونشاطاته في بيروت، لاعتبار انّ مثل هذا الغطاء يفيده على اكثر من صعيد، وهو كان ينتظر وساطة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لزيارة الرياض على غرار ما حصل معه في العام 2017، حيث كان لتدخل ماكرون المباشر والحاسم في ذلك الوقت، فضل كبير في خروج الحريري من السعودية وعودته الى لبنان وتراجعه عن الاستقالة.
في المقابل، يرى مؤيدو الفكرة الثانية ان في الامر مبالغة كبيرة، لانه واذا كان قسم من هذا الكلام صحيح، فإنه في المقابل، هناك العديد من الامور التي لم تعد السعودية تسيطر عليها. ويعتبر ههؤلاء ان الرياض لم تعد اللاعب الخليجي الوحيد على الساحة، بعد بروز نجم الامارات العربية المتحدة وقطر، خصوصاً وان الاخيرة خرجت من مواجهتها الخليجية منتصرة واثبتت انها عنصر مهم للخارج وبالاخص للولايات المتحدة الاميركية. اضافة الى ذلك، يرى هؤلاء ان المسألة اللبنانيّة باتت دوليّة وعلى طاولة الدول الكبرى تحديداً منذ ان "غرق" ماكرون في مستنقعها، وانه من غير المكن تسليم دورها لاحد اكان على الساحة العربيّة او الدوليّة في هذا السياق، لانها ستخسر اكثر بكثير مما ستربح. اما العنصر الثالث الذي يستند اليه مؤيّدو هذا الرأي، فهو ان عودة قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي الى الواجهة واتهام ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بالتورط فيها، بات لها الاولوية في التعامل الدبلوماسي السعودي، لانه على الرغم من عدم اتخاذ واشنطن اجراءات مباشرة بحق بن سلمان، الا ان الضرر قد وقع والرسالة قد وصلت بأنه لم يعد من المسموح لولي العهد القيام بما يريد به ساعة يريد كما كانت الحال خلال ادارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب.
وعليه، يعتبر مؤيدو الفكرة الثانية انّه لكل هذه الاسباب وغيرها، من المبالغ به تضخيم دور السعودية في قضية تشكيل الحكومة، وانّه لو كان الحال كذلك، لكانت وساطة دوليّة بسيطة كفيلة بحلّ الموضوع في غضون ساعات وليس ايام، ولكانت عادت اسهم بهاء الحريري لمنافسة اخيه سعد قد ارتفعت بشكل كبير، ولكان منافسو سعد من الطائفة السنيّة قد عادوا الى الواجهة مجدداً كما حصل في فترة سابقة.