اشار موقع "فورين بوليسي" في تقرير الى إن إدارة الرئيس الاميركي جوزيف بايدن تواصل الصمت في تعاملها مع تركيا. ولفت الى إن العلاقة الأميركية- التركية كانت متوترة في ظل دونالد ترامب ولكن مواصلة بايدن الضغط على تركيا تثير أسئلة حول العلاقة الطويلة مع الدولة العضو في الناتو.
واوضح التقرير، إن بايدن قضى الشهر الأول من حكمه على الهاتف مع قادة العالم ولم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واحدا منهم. وكان الخط الهادئ محلاً للتقارير الصحافية في أنقرة، وربما كان هذا بسبب الخلافات مع حلفاء الناتو والتنافس في سوريا وشراء تركيا المنظومة الصاروخية الروسية "إس-400". وفي مقابلات مع عدد من المشرعين والمسؤولين والخبراء، فالصمت من جانب واشنطن هو دليل على موقف متشدد، وستظل أنقرة تحظى بالتجاهل طالما لم تغير مواقفها وبسرعة. وتقول النائبة الديمقراطية أبيغيل سبانبرغر: "العلاقة فيها تحدٍ. ونحن لسنا في وضع نستطيع فيه الاعتماد على تركيا كما كنا نعتمد عليها أو نشعر بالثقة للاعتماد عليها كبقية دول الناتو". لكن الجميع يتفقون على أن الخيارات قليلة أمام الإدارة الأميركية لوقف انزلاق العلاقة مع تركيا إلى مستويات متدنية، في وقت يواصل فيه وزير الخارجية أنتوني بلينكن وبقية المسؤولين التواصل مع نظرائهم الأتراك.
وذكر التقرير بانه لا يوجد لدى بايدن خيارات غير مواصلة الضغط على أردوغان في مجال حقوق الإنسان. ويقول أيكان إردمير، عضو البرلمان السابق والزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية: "هذا أدنى مستوى في العلاقات الأميركية- التركية". وبايدن ليس غريبا على أردوغان، فهو كنائب للرئيس السابق باراك أوباما، قام بتوجيه العلاقات مع أنقرة التي وصلت أدنى مراحلها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، والتي حمّل فيها أردوغان الولايات المتحدة المسؤولية. لكن كيف سيقوم بايدن بالتحرك في حقل ألغام العلاقات كقائد أعلى؟ هذا بمثابة امتحان لسياسته الخارجية، وكيف يستطيع إصلاح العلاقات مع تركيا ويخفف من نزعات أردوغان الديكتاتورية، بحسب وصف التقرير.
وبسبب سياسة تركيا الخارجية الحازمة، فإدارة بايدن ستواجه أزمة. وقد علق أردوغان في مخالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واشترى منه منظومة الصواريخ أس-400 بـ25 مليار دولار. وهو على تناقض مع السياسة الأميركية في شرق المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا تزال تركيا عرضة للعقوبات بسبب شرائها منظومة الصواريخ الروسية، مع أن المسؤولين الأميركيين يقولون إن العقوبات صممت حتى لا تضر بالاقتصاد التركي.
ويقول آرون ستين، مدير البحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا: "هذه هي الجولة الثانية لفريق بايدن". و"أجد أن الناس قد تعبوا من هذا، وكل واحد يأتي ويقول إن الأمور ليست على ما يرام والكرة في ملعب أنقرة".
وعندما طلب من السفارة التركية في واشنطن التعليق، أجابت بأن أنقرة تضع "أهمية كبرى" على العلاقة مع واشنطن وستعمل على تقوية العلاقة مع إدارة بايدن. وأضافت أن "تركيا عضو في الناتو منذ سبعة عقود، ولا تؤشر صفقة أس-400 على تغير في المسار الإستراتيجي لتركيا. وتواصل تركيا لعب دور الشريك الموثوق به والمسؤول". و"منذ عامين تطلب تركيا عقد جماعة عمل بما في ذلك الناتو لمعالجة القلق بشأن أس-400".
وفي الوقت الحالي، تحاول إدارة بايدن البحث عن منهج متوازن، ولكنها لا تريد أن تتغاضى عن سلوك تركيا المثير للقلق. وقال نيكولاس دانفورث، الزميل غير المقيم في المؤسسة الهلينية لأوروبا والسياسة الخارجية: "من الواضح أنهم لا يريدون تفجير العلاقة وليسوا عدوانيين ولكنهم ليسوا متساهلين أيضا". و"يريدون التوضيح أن أي عملية تواصل جديدة ستتم بناء على الشروط الأميركية".ورفعت تركيا غصن الزيتون عندما اقترح وزير الدفاع خلوصي أكار نموذجا يتم فيه شحن أس-400 للخارج كبادرة حسن نية. وهو ما يظهر وضع أردوغان المتقلقل والذي فاقمته العقوبات الأميركية. ويواجه الاقتصاد التركي الذي تغلب العام الماضي على تداعيات كوفيد -19، من تضخم وتدهور في قيمة العملة وركود في سوق العمل. وتلقى حزب العدالة والتنمية الذي يواجه انتخابات في 2023 هزيمة في إسطنبول وعدد من المدن التركية، مما يشير لضعف أردوغان لو سمح بانتخابات حرة. ويقول سونير تشاغباتاي، الزميل في معهد واشنطن: "لو حدثت انتخابات فلن يفوز" أي أردوغان. والمشكلة أمام بايدن هي مواصلة الضغط على تركيا والحفاظ في الوقت نفسه على التحالف العسكري الطويل. وعبّر عدد من المسؤولين السابقين عن عدم ارتياحهم من ملامح إدارة بايدن بشأن تركيا، ذلك أنهم لا يزالون يتعاملون مع أنقره كحاجز مهم في الناتو ولا يرون مغازلة أردوغان لروسيا توجها دائما.
والعلاقات الدفاعية بين تركيا وأميركا عميقة، فهي تحتفظ بالأسلحة النووية الأميركية في قاعدة إنجرليك الجوية. وعلى بعد 40 ميلا على البحر المتوسط، أقام الناتو نظام الرادار للإنذار ومواجهة الصواريخ الباليستية القادمة من الشرق. ولا تزال تركيا لاعبا مهما في البحر الأسود، حيث زادت التوترات منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014. ووصف مسؤول سابق تركيا بـ"العدو الطبيعي" لروسيا وحاجز مهم ضد التوسع الإيراني في الشرق الأوسط. وتؤكد إدارة بايدن أنها تستطيع محاسبة تركيا على تراجع القيم الديمقراطية ومواصلة العلاقات مع الحليف في الناتو في الوقت نفسه.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية: "لدينا مصالح مشتركة لمواجهة الإرهاب وإنهاء النزاع في سوريا وردع التأثيرات الخبيثة بالمنطقة". و"يمكننا الالتزام بقيمنا بما في ذلك حقوق الإنسان وحكم القانون وحماية مصالحنا، مع إبقاء تركيا مصطفة مع التحالف العابر للأطلنطي وفي عدة قضايا". وأكدت السفارة التركية أن البلد يلتزم بالمبادئ الديمقراطية و"الحقوق الأساسية وضمان الحريات بالدستور. وتواصل تركيا تطبيق الإصلاحات الديمقراطية” وأشارت إلى خطة العمل لحقوق الإنسان التي أعلن عنها قبل يومين.
لكن العلاقات بين المؤسسات التي ساهمت في استمرار التعاون بين البلدين في حالة من الوهن. وتقول غونول تول، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "من الناحية التقليدية لعبت المؤسسات دورا مهما في تقوية العلاقات التركية- الأميركية"، ولاحظت أن وزارة الشؤون الخارجية التركية والخارجية الأميركية ظلتا تتعاونان حتى عندما يتصادم قادة الدولتين. وانهار الوضع في ظل إدارة ترامب الذي لم يثق بالدبلوماسيين، وترك الأمور تجري بناء على علاقات الصداقة. ووصلت حالة الإحباط مستواها عندما فقد مايك بومبيو الصبر على تركيا رغم استمرار العلاقة بين ترامب وبومبيو. وقال مسؤول سابق، إن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو كان من الصعب التعاون معه. في وقت زادت فيه الضغوط السعودية والإماراتية على أمريكا، حيث حاولتا تقديم تركيا كدولة متنمرة في المنطقة بسبب علاقاتها مع الإخوان المسلمين.
وكمثال، منع بومبيو صدور بيان من الخارجية في تشرين الأول 2020 احتفالا بيوم الجمهورية التركية وهو عيد وطني، وهو أمر روتيني تقوم به الوزارة، لكن بومبيو منع ذلك. ونفس الأمر ينسحب على العلاقات العسكرية، فبعد الانقلاب الفاشل واتهام أردوغان المؤسسة العسكرية بتدبيره خاصة ممن لهم علاقة مع نظراء في الولايات المتحدة والناتو، طلب عدد من الضباط الأتراك ممن يعملون في قيادة الناتو في فيرجينيا اللجوء في الولايات المتحدة بعد اتهامهم بالتورط في محاولة الانقلاب، مع تأكيدهم أن التهم غير صحيحة. وأضاف دعم أميركا لأكراد سوريا إلى التوتر بين الدولتين. وتقول ميريف طاهر أوغلو، الخبيرة بمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط إن “الجيش الأمريكي كان دائما يأتي لدعم تركيا وأحد أهم المدافعين عنها عندما يتحول الكونغرس أو البيت الأبيض ضدها… لكن لم يعد هذا هو الحال".
وجاء فرض ترامب العقوبات على تركيا بعد عام من المناقشة، ليعبّر عن تشدد في المواقف المستمرة مع الإدارة الجديدة. وقال مسؤول سابق إنه لم ير أيا من المعيّنين في الإدارة الجديدة متعاطفا مع تركيا. وعدم الثقة متبادل بين الطرفين، فطالما عبّر أردوغان عن غضبه من دعم الغرب للأكراد، وجيّش الرأي العام التركي حول مزاعم أن الولايات المتحدة هي التي تسببت بالمحاولة الإنقلابية. وأشار بعض الخبراء إلى أخطاء الأميركية، مثل قرار سحب بطاريات باتريوت عندما زاد التوتر التركي- الروسي عام 2015 ومواصلة الدعم للجماعات الكردية في سوريا التي تعتبرها تركيا إرهابية.
وفي خطاب ألقاه أردوغان الشهر الماضي، قال: "أي تحالف ناتو هذا؟ قضيتهم ليس دعم اللاجئين، بل غير ذلك. ولا يزالون يتعاملون مع الإرهابيين. ونحن من جانبنا نواصل الحرب ضد الإرهاب والإرهابيين، ونفتح قلوبنا طالما تصرف الأصدقاء كأصدقاء". ورغم العلاقة المتوترة، لا يتوقع الكثير من الخبراء تدهور العلاقة بشكل أكبر. وبالنسبة للغرب، فلا تزال العلاقة كما كانت قبل 70 عاما عندما انضمت تركيا لحلف الناتو، وهي مسألة تتعلق بالجيوسياسية.
وتركيا مهمة للموقف الأميركي في الشرق الأوسط، ولم يذهب المسؤولون الأميركيون والأوروبيون الذين ينفثون غضبهم على أنقرة بعيدا، ويسألون إن كانت تركيا تنتمي إلى حلف الناتو أم لا. وبالنسبة لأنقرة فالمسألة هي عن الأمن والاقتصاد. فتركيا بحاجة إلى روابط للسوق الأوروبية والأميركية واستثمارات رغم التوتر في العراق، وأردوغان لا يريد التخلي عن علاقاته العميقة مع الغرب مقابل تحالف مع بكين أو موسكو.
ويرى خبراء، أن براغماتية أردوغان تتفوق دائما على نزعته المعادية للغرب. وتقول طاهر أوغلو: "أردوغان براغماتي دائما ولا خيار أمامه إلا علاقة عمل مع الولايات المتحدة". و"تركيا ليست مستقلة من ناحية الطاقة واقتصادها ليس مزدهرا وأصبح جيشها مستقلا، ولكن صناعتها العسكرية المحلية تعتمد على الرخص الغربية"، و"هي بحاجة لعلاقات جيدة مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة". وأرسل اردوغان رسائل دافئة للغرب. وحتى من ضاقوا ذرعا في واشنطن بأردوغان، لا يتعاملون مع العلاقات كأمر واقع، ويرون ضرورة البحث عن طرق للعمل مع أنقرة حتى لا تقوي علاقاتها مع موسكو أو بكين.
وتقول سبانبرغر: "علينا رسم خط في الرمال، ولكن علينا التأكد من فتح طريق لتركيا كيف تعيد ضبط علاقاتها معنا ومع الناتو". و"بالتأكيد لا نريد أن يتحول الأتراك نحو الروس إلى مدى كبير ونريد أن تقوى العلاقة معنا ومع الغرب".