اشار الشيخ أحمد قبلان الى أن "العدل أكبر مطالبنا في هذا البلد، بغض النظر عمن سيعدل إذا تثبتنا من عدله، لأن الظلم أنهكنا، والفساد نخرنا، والتجربة السياسية ضيّعت بلدنا، ويأست ناسنا، ولم يبقَ من الدولة سوى الأطلال. وهذا أمر في غاية النكبة. ولهذا، ومن أجل لبنان واللبنانيين أقول لجميع مكوّنات هذا البلد بكل صدق وأمانة: نحن عائلة واحدة في بلد واحد، والوجع وجع الجميع، والكارثة على الجميع، وهذا يفرض علينا أن نتعاون ونتشارك همومنا وأزماتنا لننهض ببلدنا من جديد".
ولفت قبلان في رسالة الجمعة لهذا الأسبوع مباشرة عبر أثير الإذاعة اللبنانية، إلى أن "الحلّ هو بتكاتفنا وتضامننا، لأن التجارب علمتنا أن الخارج يستثمر في الفتن والخراب والمتاريس، والخاسر الوحيد هم أهلنا، ناسنا، شعبنا، والمستهدف وحدتنا، سلمنا الأهلي، صيغة عيشنا. من هنا نؤكّد لا بل نصرّ على وحدتنا ومحبتنا وشراكتنا، بابتعادنا عن لعبة الأمم ومصالح الدول، وإلا تقاسمنا العالم كما تقاسم من سبقنا من الشعوب والأمم، خاصة أننا الآن أمام كارثة سقوط نقدي مالي غير مسبوق، والحلّ لا يكون إلا بقيام الدولة، والحفاظ على السلم الأهلي، ومنع لعبة الأجهزة الدولية من إغراق بلدنا بالفتن والتحريض، لأن البلد غارق بالأقنعة، والشوارع مفتوحة دون ضوابط؛ وأي إطباق على ما تبقى من الدولة يعني تحويل لبنان إلى ملعب تصفيات هائلة للقوى الكبرى، وهذا ما نرفضه ولا نريده، ولا يجوز أن ينجرّ إليه اللبنانيون".
وأكّد سماحته أن "حاجة البلد اليوم قبل الغد إلى حكومة إنقاذ أضحت كحاجة الجسد إلى الرأس، حكومة باتت ضرورة ماسّة لمنع الفوضى والفلتان وسياسة الشوارع المفتوحة على أكبر المخاطر. نعم، أيها السياسيون، أيها المعرقلون، أيها المعطّلون، إن التوافق على حكومة إنقاذ هو مسؤوليتكم، بل من واجباتكم الوطنية والأخلاقية والإنسانية، فحكومة الإنقاذ ضرورة وطنية وأمنية ومالية واجتماعية لحماية لبنان، الحكومة اليوم ضرورة محسومة لحماية العيش المشترك والسلم الأهلي ومشروع الدولة، فلا يجوز، ومن غير المقبول من أي طرف سياسي المماطلة أو العرقلة أو الاستهتار بموضوع تشكيل الحكومة. وعلى الجميع الجلوس حول طاولة إنقاذ البلد اليوم قبل الغد، لأن لعبة الخارج والداخل أشبه بقنبلة تكاد تغتال البلد وتنهي وجوده".
ودعا المفتي قبلان إلى "قيام حكومة، تكون أولوياتها حماية البلد ومنع السقوط والدفاع عن مشروع الدولة وكبح برامج الأقنعة الخطيرة، والتقارير في هذا المجال مخيفة للغاية. المطلوب إعادة تشغيل محركات كل القوى السياسية الفاعلة لإنقاذ البلد من الفراغ القاتل، وخاصة أن اللعبة المالية والنقدية ولعبة كبار التجار وتجربة المصارف دفعت الناس إلى حافة الانفجار الاجتماعي، وسط جوع ومطابخ فتن وتحريض على تقسيم الشوارع؛ وكابوس الفراغ يزيد في وتيرة الانهيار وفقدان السيطرة على الأرض، مقروناً بضغط الأسواق السوداء واللوبيات المالية، فيما الشعب جائع وأمواله منهوبة، وودائعه محجوزة، ورغيفه مهدد، وسط فوضى الأسواق ومافيات الدواء وغليان الأسعار والعتمة المنتظرة، والحصار الخانق، والشح في المحروقات، وغلاء يمسّ صميم قدرة الناس على الصبر والتحمّل، ويدفعهم بشدة نحو انفجار اجتماعي خطير". مؤكداً "أننا مع صرخة الناس ومنهم وفيهم، لكن الحذر كل الحذر من تحويل الشارع إلى لعبة ألغام وزواريب سياسة، لأن هذا النوع من لعبة الشوارع يمكن أن ينسف البلد، ويقضي على ما تبقى من سلمه الأهلي وعيشه المشترك".
ورحّب سماحته "بزيارة البابا فرنسيس التاريخية إلى العراق" قائلاً:"كلنا أمل بأن يشكّل اللقاء مع المرجع الديني الكبير سماحة السيد علي السيستاني، نقطة تحوّل وحافز تشجيع على تلاقي الأديان، وحوار الحضارات، لإرساء رسالة "حوار وسلام" في العالم أجمع، توحّد كلَّ الجهود، وتُرسّخ كل السبل من أجل الوصول إلى مسار أخلاقي وإنساني وإيماني يكون عاملاً وفاعلاً وحاسماً في مواجهة الظلم والاحتلال والفساد والإرهاب واضطهاد الشعوب والأوطان، سائلين المولى سبحانه وتعالى أن ينعكس هذا اللقاء التاريخي على العائلة اللبنانية بجناحيها المسلم والمسيحي كما عبّر عنها الامام السيد موسى الصدر وأكمل بها الإمام شمس الدين وما زال ثابتاً عليها الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، لتأكيد وحدتنا وعيشنا المشترك وتضامننا وتكاتفنا، خاصة أننا نعيش في هذه الأيام أسوأ مرحلة من تاريخ لبنان، وسط هجمة دولية وحصار خانق وسياسات عابرة، تصرّ على تجويع اللبنانيين وتمزيق وحدتهم وضرب اقتصادهم وقدرتهم على صمودهم".
وختم قائلاً:"كوصية من وحي العلاقة التاريخية بين المسلمين والمسيحيين أتوجه بالقول: حماية المسيحيين ضرورة لحماية المسلمين، كما أن حماية المسلمين ضرورة لحماية المسيحيين، وأول شروط هذه الحماية اليوم يتوقف على حكومة وطنية قوية، وتضامن داخلي شامل لإنقاذ البلاد والعباد من السقوط المروّع".