توحي كلُّ المؤشرات اللبنانية الحالية، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً أنَّ الأزمة تتسع يوماً بعد يوم، بغياب أيِّ أفق لمشروع تسوية تضع حداً للإنهيار: كل المبادرات تسقط واحدة تلو الأخرى، ويحل التصعيد على خطي المواقف السياسية من جهة، والحراك في الشارع من جهة ثانية. ماذا بعد؟ لا أحد يملك معلومات عن مسار لبناني غامض، في ظلّ عدم إكتراث خارجي، كما جرت العادة، في فرض تسوية لبنانية مهما كلّف الأمر، مما يعزّز القلق الشعبي على مساحة البلد. لكن هناك كلاماً يتردّد في بعض الدوائر عن مشروع خارجي "لفرط لبنان وإعادة تركيبه" بعد فشل كل السيناريوهات الأخرى لتغيير توجّهاته وسلوك افرقائه. يستند هذا الحديث إلى معطيات عدة:
اولاً، لا تُظهر العواصم العربية، وتحديداً الخليجية، أيّة إندفاعة عملية لإنقاذ لبنان من أزماته المتلاحقة. علماً أن لبنان إعتاد منذ ما بعد إتفاق الطائف على مساهمات العرب في إيجاد تسويات تواكبها عطاءات أو هبات أو مساعدات أو قروض مالية، جميعها غير متوافرة حالياً. لا تريد تلك العواصم العربية أن تتدخّل الآن إمّا بسبب انشغالها بأنفسها حيث يشتعل الإقليم منذ عام 2010، أو لمعاقبة قوى لبنانية على خياراتها الإقليمية، مما يفسّر الحملة السياسية لمنع إشراك "حزب الله" في مجلس الوزراء، حيث يتم الهروب إلى عنوان حكومة تكنوقراط. قد يأتي بيان ارئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الأخير في ذات السياق.
ثانياً، إذا كانت باريس سعت إلى فرض تسوية لبنانية حلّت في مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المجمّدة، الاّ أن العواصم الدولية لا تُعطي لبنان أولوية على جدول أعمالها. هناك إهتمامات أميركية بالملفات الإستراتيجية في الإقليم: إيران ودول الخليج واليمن والعراق. بينما يلفت غياب سوريا ولبنان عن الخريطة الأميركية للبيت الأبيض. لماذا؟ لا أجوبة محدّدة سوى أن هناك من يرى غربياً، أن تداعيات التفاوض بين الأميركيين والإيرانيين سيطال حتماً الساحتين اللبنانية والسورية بطريقة غير مباشرة.
ثالثاً، يتزايد الحديث عن عقوبات أميركيّة مقبلة على جهات سياسية وإدارية ومالية في لبنان. فإذا صحّت التوقّعات، رغم نفي واشنطن ما ورد في تقارير صحافية بشأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فإن ذلك يعزّز ايضاً سيناريوهات دفع البلد نحو مزيد من التأزيم، بسبب طبيعة النظام اللبناني.
ما بين تجاهل لبنان، وتركه دولياً لقدره يواجه صعوبات ومخاطر وحده، وممارسة مزيد من الضغوطات عليه، ومتانة علاقات مكوّناته بالإقليم المضطرب، ونكد القوى السياسية العاجزة منذ اكثر من سنة عن رسم أطر لأي حل بسيط، يأتي الإنخفاض السريع لقيمة العملة الوطنية أمام الدولار، وتنكسر عتبة العشرة آلاف ليرة، ليبدأ الولوج في مرحلة العشرة -عشرين، فهل يصمد البلد؟.
تأتي الإحتجاجات الشعبية خجولة بسبب إقتصارها على قطع الطرق، بينما يرتفع أنين الشعب، من دون أن يتحمّل المعنيون مسؤولياتهم في تأليف حكومة لوضع حد للإنهيار، وتوحي المعطيات الإقتصاديّة أن الآتي صعب جداً في حال تمّ رفع الدعم عن مواد استهلاكيّة. مما يعني ألاّ صمود بسبب الهلاك الحاصل: ما هو الحل؟.
إذا صدقت المعلومات عن رغبة خارجية لفرط البلد قبل إعادة تركيبه وفق معادلات سياسية تناسب عواصم إقليمية ودولية، فهل يمكن تطبيق السيناريو المذكور من دون مواجهة؟ قد يكلّف الفرط المُشار إليه حصول حرب أهليّة بسبب طبيعة التركيبة اللبنانية المرتبطة بعواصم متصارعة.
كل المؤشرات تؤكد أن المشهد ضبابي، والصورة قاتمة في لبنان. لا يوجد بصيص أمل يدل على وجود مخارج مُتاحة كما كانت تجري العادة تاريخياً. وحده المواطن يدفع الثمن مرّات عدة في يومياته، وهو بات عاجزاً عن تأمين مستلزمات العيش بعد فقدانه قيمة راتبه الشهري، ولا يُمكن لومه إذا خرج للإحتجاج في الشارع وعلى طريقته للتعبير عن ألمه، رغم وجود افرقاء يحاولون توظيف الاحتجاجات لخدمة اجنداتهم السياسية.