تتميز عودة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الى بيروت، بعد غياب دام أشهراً بنشاط لافت، ومواعيد ولقاءات سياسية متنوعة. وكان السفير السعودي قد غادر لبنان في تشرين الثاني عام 2020، بعد اسبوعين من تكليف الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، ما جعل كثيرين في لبنان يربطون الأمرين معاً، معتبرين أن السعودية سحبت سفيرها في رسالة إعتراضية على هذا التكليف، بينما قالت مصادر سعودية أن السفير يغادر في إجازة عائلية وبسبب ظروف كورونا.
وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت السفير الى الغياب هذه المدة، لكن حركته اللافتة بعد عودته، تؤشر الى اهتمام سعودي بالساحة اللبنانية وخاصة بعد التطورات الاقليمية التي تجعل من الإنكفاء السعودي عن الساحة اللبنانية مكلفاً لنفوذها الاقليمي، ما قد يفسح المجال للاعبين أخرين لسدّ الفراغ، وفي ظل تغيّر في الإدارة الأميركية وتوجهاتها نحو المنطقة.
وهكذا، يمكن القول ان العودة السعودية للعب دور على الساحة اللبنانية، يأتي في ظل وضع إقليمي متبدل، ونذكر بعض المؤشرات كما يلي:
1- وصول بايدن الى الإدارة الأميركية، وإرسال إشارات متعددة غير مريحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، منها عدم الاتصال به، واعتبار أن نظير بايدن هو الملك سلمان وليس ولي العهد. ثم، إعلان بايدن نيّته العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، وضرورة إنهاء حرب اليمن، وإزالة الحوثيين عن لائحة الارهاب الاميركية، بالإضافة الى كشف التقرير الاستخباري حول مقتل الخاشقجي والذي يشير الى "مسؤولية" يتحملها ولي العهد السعودي، بحسب رأي المخابرات الأميركية.
2- الحرب في اليمن، والتي استمرت سنوات عدّة لم تستطع السعودية أن تحسمها لمصلحتها، بل إن الامارات والحوثيين يبدوان أكبر الرابحين، بينما السعودية هي الخاسر الأكبر. لقد ساهمت تلك الحرب في تقويض الامن القومي السعودي، إذ ما زالت صواريخ الحوثي تطال العمق السعودي وتستهدف شركة أرامكو، كما ساهمت حرب اليمن في تقويض صورة السعودية في العالم بعدما أعلنت الامم المتحدة ومنظماتها المتعددة عن ان اليمن تشهد "أسوأ كارثة إنسانية على الاطلاق" وسط نقص الغذاء والدواء وانتشار الأمراض والأوبئة والمجاعة.
3- الساحة السورية: تراجع الدور السعودي في الأزمة السورية، بعد تحوّل مسار الأزمة لإيجاد حلول عبر مسار أستانة، التي جعلت روسيا وإيران وتركيا ينفردون بتأطير الحلول الميدانية، التي ساهمت في عودة 75 بالمئة من الجغرافيا السورية الى كنف الدولة. وهكذا، لم يبقَ للسعودية سوى دورهامشي في مسار الحل السياسي السوري بتكليف من الأميركيين، الذين فوّضوا الرياض بتشكيل وفد للمشاركة في مناقشة مسودة الدستور السوري الجديد.
4- الساحة العراقية: تبدو السعودية الأقل نفوذاً في العراق (من الناحية الاقليمية)، بسبب هيمنة النفوذين الايراني والأميركي، وإنكفاء السعودية الطويل. وكانت السعودية قد سحبت سفيرها ثامر السبهان من العراق عام 2016، بناءً على طلب بغداد. وعام 2020، وبعد انفتاح رئيس الورزاء العراقي مصطفى الكاظمي على السعوديين، أعادت الرياض سفيرها الى بغداد على أثر زيارة وزير المالية العراقي الى السعودية.
وهكذا، يمكن القول أن السعودية وبعد إنكفاء مؤقت عن الساحة اللبنانية، تحاول اليوم العودة الى الساحة لتعزيز نفوذها في لبنان، في ظل تراجع لافت في الساحات الاقليمية الأخرى، وذلك لكسب ورقة إضافية على طاولة المفاوضات، التي تسعى إدارة بايدن الى عقدها مع طهران، والتي تنوي ضمّ حلفائها الاقليميين إليها.
وهكذا، يبدو أن لبنان سيشهد عمليات شدّ وجذب إقليمي وسيتحول ساحة لإرسال الرسائل الاقليمية، سواء عبر الامن أو الاعلام أو الفوضى المتنقلة الخ..الى أن يحين أوان الجلوس الى الطاولة أو قبل ذلك، أي إذا قام أحد الأطراف بحسم الأمر لمصلحته ما يؤدي الى إنكفاء الآخر، فتهدأ الساحة اللبنانية.