بالمطلق، تستطيع الاستقلاليّة الذّاتيّة المبنيّة على العلم والانفتاح والابداع الاجتماعيّ والتربويّ، مقاومة شروط الاتباع العملاني لتنمية المرأة. بالتَّأكيد، تحاول المرأة العربيّة التماثل بالتبعيّة الفكريّة والاجتماعيّة الايجابيّة في ما يخصّ مكانة المرأة، ودورها في معظم البلدان المتحضرّة. أَوَليست تلك النَّظرة من حسنات العولمة؟
الاتّباع الفكريّ هو اختيار ما هو جيّد وملائم للهويّة الذّاتيّة. عندما يدخل على الهويّة بعض التغيير والتطوير والتحوّل، فهذا لا يعني فقدانها، وإنّما هي حركة تجدّد من الحضور العلائقيّ الذي يرفض الانغلاق على نفسه، متخلّيًا عن التحجّر حول ثوابته ومستقبله.
1- عولمة نحو الأفضل؟!
تفتح العولمة بالمطلق، للفكر الإنسانيّ، الباب على مصراعيه، فيكتشف أنّ التنوّع البشريّ الخلاّق، يدفع بالأفعال الإبداعيّة والابتكاريّة إلى التّأثير الإيجابي في حياة الإنسان الاجتماعيّة، لا سيّما في ما يخصّ حياة المرأة. ولكي تتحقّق تلك الأفعال الابداعيّة والابتكاريّة، لا بدّ من وضع خطط واستراتيجيّات، وطرح حلول لبعض المشكلات المستعصية، وتكون معالجة العقبات القائمة أكثر جرأة، لا سيّما النمطيّة المسيطرة فيما يتعلق بالنَّظرة الدونيّة للمرأة ودورها الاجتماعيّ الَّذي يقوم بمعظمه – بحسب نظرة الرَّجل – على عمليّة الانجاب وتسهيل حياة الرَّجل، وإنكار الذّات من أجل سعادة أسرتها، والاستسلام الأعمى لرغبة الآخر، أيّ الرَّجل الَّذي يسخّرها لتلبية رغباته وطلباته.
ويتطلّب ذلك تخطّي التّناقضات التّقليديّة و"الكليشيهات"، والعمل على التّربية والحوار البنّاء المتكافئ في خلق ذهنيّة جديدة تطاول شرائح المجتمع، وأبناء الأرض كلّها، من خلال عصر العولمة.
تهدف العولمة إلى "حوار الحضارات" لا "صراع الحضارات". يؤمن "حوار الحضارات" بالتنوّع البشريّ الخلاّق، والتفاعل المتوازن بين العالميّ والوطنيّ، والاعتراف بالآخر، وحقّه بالاختلاف والتمايز بخصوصيّاته، وحرّيته والمساواة بين الجنسين. نتساءل ماذا قدّمت وأسهمت العولمة في تحقيق حقوق المرأة؟
أثّرت جائحة "كورونا كوفيد-19" بطريقة سلبيّة على الأمن الاقتصاديّ والماليّ و"المعيشيّ" واثارت القلق والخوف من الغد، ولم تتمكن العولمة من مواجهة التّداعيات السلبيّة. وذلك بسبب إهمال الإنسان لقيمة التّكافل والتّضامن بين النّاس وتناسيه لها، كما أقنع ذاته بالعولمة الزائفة، وتمسكه بالاقتصاد الحرّ المتوحّش واتكاله على الديمقراطيّة "الخادعة". من هنا تعرّضت النِّساء لشتّى أنواع الضغط والتّعب. ومع هذا كانت النساء في الصفوف الأمامية لجهة التصدي للجائحة بوصفهن عاملات في مجال الرعاية الصحية، كما كن قادات وفاعلات في مواجهة التصدي للجائحة. هل وعت الحضارة المزيّفة والعولمة المتوحّشة، أنّ مصير كلّ النّاس على الكرة الأرضيّة تعني كلّ إنسان؟ بالتَّأكيد، ألزمت تداعيات الفيروس البشريّة بإعادة صياغة خططها وأدائها وخياراتها وأولويّاتها المستقبليّة، لا سيّما في مجال المساواة بين الرَّجل والمرأة، بخلق حالة تصحيحيّة وتجديديّة على صعيد تحمّل المسؤوليّات وتوزيع الأدوار والمهمّات فيما بينهما.
2- مسيرة ونضال
نلاحظ بأنّ وضع المرأة بقي متأخّرًا نسبيًّا. من هنا كان لا بدّ للعولمة من أن تأخذ على عاتقها قضيّة المرأة بطريقة جدّية، لا سيّما في البلدان الَّتي تسعى نحو التطوّر والنموّ على جميع الصُّعُد. ومع أنّ أكثر مَن يستفيد من مسيرة العولمة، هم عدد من مجموعات العالم الغربيّ ومع هذا فالنِّساء لم يحصدن الجوائز الكبيرة. تنتظر النِّساء من العولمة أن يكون وقعها مميّزًا على حياتهنّ اليوميّة، لا سيّما المرأة العاملة، للاستفادة من مداخيلها الماديّة، ممّا يعزّز سلطتها وموقعها الاجتماعيّ ضمن العائلة وخارجها.
بالتَّأكيد، ساهمت العولمة في تفاعل ونشاط وحراك الجمعيّات غير الحكوميّة والَّتي أشركت المرأة في الحياة السياسيّة، ممّا منحها زخمًا معنويًّا وتحرّكًا واقعيًّا في مواجهة بعض قضاياها، من خلال عمليّة الضغط المتواصل والتّعاون الوثيق فيما بينهنّ، من أجل الحصول على الحقوق. من هنا نرى بأنّ المرأة تصلح لمعالجة بعض القضايا السياسيّة العالقة أو تسيير أمور النّاس بطريقة شفّافة وإنسانيّة، بعيدة كلّ البُعد عن الفساد و"المحسوبيّات" و"الاستزلام" و"الشعبويّة" وغيرها من الأمور السيّئة الَّتي غالبّا ما تُفسد الحياة العامّة.
لا بدّ من تثقيف المرأة ودعمها في مسيرتها ومواكبة نضالها، من أجل تثبيت دورها، ومكانتها على أساس المساواة مع الرَّجل، في بعض المجالات. وهذا منطقيّ وطبيعيّ، لأنّ تركيبة الرَّجل، وبعض هيكليّات المجتمع، تفرضان أن يبقى الرَّجل رجلاً والمرأة امرأة. فمن أوّل ركائز وأُسُس المساواة بينهما، هي المساوة في الواجبات والحقوق
3- عولمة الاقتصاد
تحدّثنا العولمة عن النموّ الاقتصاديّ، ولكن مَن استفاد من ذلك؟ الفقراء أم النِّساء؟ انتظرت النِّساء من حركة العولمة وتفاعلها، أن تتحسّن اوضاعها الاقتصاديّة والتنمويّة، ولكن أتت النتائج بعكس الآمال المنتظرة، لأنّ الفقر والعَوَز ازداد في العالم، لا سيّما في بلدان الجنوب وتلك المتعثّرة اقتصاديًّا، وخاصةً في "زمن كورونا" وتداعيّاته السلبيّة على جميع الصُّعُد، الامر الذي انعكس سلبًا على النِّساء. نؤكّد أنّ تحسين أوضاع النِّساء والتّنمية الاقتصاديّة مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. نذكّر العاملين في السياسة وقراراتها، وأغلبهم من الرِّجال، أنّ العلاقة المتبادلة بين التّنمية، وتحسين أوضاع النِّساء هي علاقة: عضويّة، أساسيّة وجوهريّة، لا مفرّ منها لأنّها: متكاملة، متضامنة والواحدة تعزّز، وتؤازر، وتدعّم، وتساند الأخرى. لهذا، يجب على السياسيّين وضع حدّ للتمييز العنصريّ الَّذي يطاول المرأة والرَّجل معًا. من هنا أهميّة مشاركة المرأة في القرارات السياسيّة وممارسة السّلطة السياسيّة ومنها التنفيذيّة والتشريعيّة من أجل الانتقال من الصّمود أمام الاجحاف المهيمن على نسق حياتها، إلى التصدّي من أجل انتزاع ما يحقّ لها. وهذا يتطلّب التّوعية والتّربية لأفراد المجتمع من أجل تغيير الذهنيّات البالية، وذلك بالتّعاون مع الحركات النسائيّة الَّتي تملك قوّة الضغط والمناصرة والنِّضال والمثابرة والتّصميم، الَّتي تُسهم جميعها في تغيير المعادلة والمفاهيم المغلوطة.
أجل، تناضل النِّساء في شتّى الميادين لا سيّما في "زمن كورونا" لذا من غير المقبول منهنّ، الوقوف أمام تلك المعضلات والقضايا حائرات، مذهولات، خجولات، مضطربات. بل عليهن المثابرة، على الرُّغم من عدم تكافؤ الفرص مع الرَّجل، إن على الصّعيد السياسيّ، أو الاقتصاديّ الاجتماعيّ، وهذا ما يدفعهنّ، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، للتمسّك بهذا النِّضال، من أجل الوصول إلى تحقيق أهدافهنّ بواسطة التّعاضد والتّعاون فيما بينهنّ.