خرجَ الناس إلـى الشارع، وقُطِعَت الطرق الرئيسية والأوتوستـرادات فـي بيـروت ومُعظم الـمدن على إمتداد الـمحافظات اللبنانية، بعدما تـجاوز سعر صرف ​الدولار​ العشرة آلاف ليـرة، وبلوغ الإنـهيار الـمالي و​الإقتصاد​ي والـمعيشي حدّاً بالِغ الـخطورة...

الـمُحزِن الـمُبكي، أنَّ أهل ​السلطة​، وبدلاً من أن يُسارِعوا إلى كَسر الـحواجز، وإلـى الإجتماع والتشاور والتنازل وفكّ العِقَد الـحكوميّة "التافِهة"، مَضوا كالعادة فـي عِنادهِم وفـي تبادُل وتقاذُف كرة الإتـهامات، وفـي سياسات الإنكار وغَسل الأيدي من تبعات الكارثة الـمالية الـخطيـرة.

هذا السِّجال العبثي والعقيم بيـن "​بيت الوسط​" و"ميـرنا الشالوحي"، وبيـن "​بعبدا​" و"بيت الوسط"، ماذا يُفيد ؟ هل يُطعِمُ جائعاً أو يُشفي مريضاً ؟ هل يُعيد الدولار إلـى 1500 ليـرة ويُـنـعِش الإقتصاد ؟ هل يُعيد أموال الـمودعيـن وجنـى أعمارهِم ؟ هل يُساعِد على إستـرداد الأموال الـمنهوبة والـمهرَّبة ؟.. واللهِ عيب.

لقد أصبحَ الـحدّ الأدنـى للأجور 68 دولاراً، أي أقلّ من سريلنكا و​بنغلادش​، وراتِب الضابط أو الـمدير أو الـموظف الـمسؤول الذي كان يساوي 2000 دولار أصبح أقلّ من 300 دولار.. فاختفت الطبقة الوسطى، ودخلَ الـجوع كل البـيوت من دون إستـئذان... فماذا تـنـتظِرون ؟ هل هناك أفظع من هذه الكارثة وأبشع من هذا الـخَراب ؟

جولاتكَ وسفراتكَ يا سيّد حريري لا تُفيد الوطن بشيء، لا بل تُعقِّد ​الأزمة​ وتُزيد الـمأساة، وتشبّثكَ بعدد الـ 18 وزيراً ليسَ فـي مـحلِّه ولا يـحلّ الـمشكلة.. واختيار الوزراء (كل الوزراء) يـجب أن يتمّ بالتفاهم مع رئيس الـجمهورية بروح التعاون والـمسؤولية. فكما أنَّ الـحكومة مسؤولة عن أيِّ تقصيـر فـي عملِها، كذلك رئيس الـجمهورية، فمسؤوليته تـجاه الشعب أهمّ وأعمَق.

أمّا "الثلث الضامِن" يا سيّد ​باسيل​، فلا قيمة له ولا جدوى منه، ولا يـجوز أن يشكِّل عائقاً فـي تشكيل الـحكومة، لأنه لا يضمَن حقوق الـمسيحيّـيـن ولا يـحفَظ كرامتهم ووجودهم... فحقوق الـمسيحيّـيـن وكل اللبنانيّـيـن تُصان، وكرامتهم تـتحقَّق، عندما تستعيد ​الدولة​ سيادتـها على أرضها، فلا يبقى سلاحان وجيشان ودولتان. وعندما لا يُـخطَف الوطن على أيدي ميليشيا مسلّحة، ويُقحَم عنوةً بـحروب الـمنطقة، ويُزَجّ فـي مـحورٍ إقليمي ضدّ مـحورٍ آخر، فينعَم شعبه بالإستقرار والأمان و​السلام​...

أليسَ من الـمُعيب أن تتقاتلوا على حُكم وطن مهدَّد بالزوال، وشعب مهدَّد بالـجوع والـموت ؟ الفقراء يتعاركون لأجل كيلو حليب لأطفالـهم، وأنـتم يا أهل السلطة الأشاوِس تـتعاركون حول ​طائفة​ الوزير وعدد الوزراء ؟ ألا تـخجلون ؟

كل مسؤول، وكل رئيس حزب، وكل نائب، لا يرى ولا يشعر بالـحريق الآتـي، والفوضى، و​العنف​، والإضطرابات الإجتماعية، والـمجاعة، والـهجرة الـجماعية، والـمخاطر الـمصيـرية التـي تـهدِّد وجودنا، ولا يُضحّي ولا يعمل على إنـهاء هذه الـحالة الشاذة فوراً.. لا يستحقّ البقاء لـحظة واحدة فـي سدّة الـمسؤولية.

فالوطن، ما الوطن ؟ إلاّ شجرة طيّبة لا تنمو إلاّ فـي تُربة التضحيات وتُسقى بالعرق والدم...

عندما تسمَع مَن يقول: سوف أضحّي بوطنـي من أجل طائفتـي أو دينـي .. فاعلَم أنه لـم يفهَم معنـى ​الدين​ ولا معنـى الوطن.

​​​​​​​