رغم وجودهما في موقع "الخصومة السياسية"، شكّلت العلاقة بين رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري و"حزب الله" نموذجًا يُحتذى طيلة المرحلة الماضية، وخصوصًا بعد استقالة حكومة حسّان دياب، ودعم "الحزب" المُطلَق لحكومة يترأسها الحريري.
فمع أنّ نواب "حزب الله" لم يكلّفوا الحريري مباشرة، في إطار ما عُدّ "تكتيكًا" يهدف لمسايرة "الحليف" رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي حضّ النواب على عدم "التهوّر"، إلا أنّ كلّ الوقائع العمليّة أثبتت أنّ الحزب لا يريد رئيسًا للحكومة سوى الحريري.
وبالتوازي، ثبُت أيضًا بما لا يدَع مجالًا للشكّ "تحييد" الحريري للحزب عن كلّ "جبهاته المفتوحة"، حتى حين كان يُحكى عن "عقدة شيعية" في الأفق، حيث كان رئيس الحكومة المكلَّف يصرّ على "حصر" الأزمة بالفريق المسيحي، ولا سيما المحسوب على "العهد".
لكنّ "خرقًا" سُجّل على هذا الصعيد، الأسبوع الماضي، مع أول سهام "حريريّة" من نوعها تُوجَّه صوب "حزب الله" بشكلٍ مباشر، حين "غمز" رئيس الحكومة المكلّف من باب انتظار الأخير "قراره من إيران"، بعكس الحريري، الذي "لا ينتظر رضى أي طرف خارجي".
ومع أنّ محسوبين على الحريري وضعوا "هجوم" الرجل في إطار "الدفاع عن النفس"، ردًا على كلام لنائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، اعتبر فيه أنّ الحريري لا يتحمّل المطلوب منه سعوديًا، تُطرَح علامات استفهام عمّا إذا كانت "الهدنة" بين الجانبين انتهت عمليًا.
"حزب الله" يتفهّم؟!
ليست العلاقة "الجيّدة"، إن جاز التعبير، بين رئيس الحكومة المكلَّف و"حزب الله"، والتي أحدثت بعض "التصدّعات" على خط العلاقة بين الأخير و"العهد"، وليدة اليوم، بل ثمّة من يعيدها إلى أيام حكومة الحريري الأخيرة، التي سبقت انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول.
يعود البعض لإثبات صحّة هذا الكلام إلى بعض الأقوال المنسوبة لوزراء محسوبين على الحريري، بينهم وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن، أشادوا فيها بـ"أخلاقيّات" وزراء "حزب الله"، واعتبروا أنّه كان "الأقلّ تشويشًا" على عمل الحكومة، وبالتالي "تكبيلاً" لرئيسها.
وقبل "إشكاليّة" الأسبوع الماضي، لم يختلف شكل العلاقة بين الجانبين كثيرًا، رغم كلّ الضغوط التي يُحكى عنها في الإعلام، بين الفيْنة والأخرى، فبدا أنّ الحريري "يرتاح" للعلاقة من "حزب الله"، أكثر ممّا يفعل مع حلفاء "مفترضين له، سابقون وحاليون على حدّ سواء.
وقد يكون لافتًا في هذا السياق، الحرص على "التقليل" من وقع الإشكال المستجِدّ بين الجانبين، فالمحسوبون على الحريري سارعوا لوضعه في "سياقه"، باعتبار أنّ الشيخ نعيم قاسم كان "البادئ"، وهو الذي "أحرج" الحريري في مكانٍ ما، فاضطره إلى الردّ كما يلزم.
وفي المقابل، لم يتأخّر المحسوبون على "حزب الله" والمقرّبون منه في "طمأنة" من يعنيهم الأمر بأنّ الإشكال سيبقى "محصورًا" في الزمان والمكان، مع التأكيد أنّ الحزب ليس "في وارد" الردّ على الحريري، وأنّه "يتفهّم" ظروف الأخير، والاعتبارات التي أملت عليه أن يقول ما قاله.
ما سرّ الهجوم؟
وعلى خطّ فكّ "شيفرة" هجوم الحريري على "حزب الله"، تباينت التكهّنات، لتتقاطع عند العديد من النقاط، أولها أنّ رئيس الحكومة المكلَّف "مرتبك" نتيجة ما يُسرَّب من مُعطيات عن رفضه مبادرة "العهد" التي تستجيب لطلباته، ولا سيما لجهة التخلّي عن الثلث المعطّل.
ولهذه الأسباب، أراد الحريري، وفقًا لهذه القراءة، أن يعيد رسم قواعد "الاشتباك"، عبر "الهجوم" الذي يُعتبَر أحد أهمّ التكتيكات "الدفاعيّة"، خصوصًا بعدما لمس من مقرّبين من "حزب الله" و"التيار"، إصرارًا على الإيحاء بأنه ينتظر "الضوءالأخضر" من المملكة العربية السعودية.
وربطًا بهذه المقاربة، ثمّة من قرأ في "هجوم" الحريري ما هو أبعد وأعمق من "تكتيكاته"، ليتحدّث عن "رسالة" أراد إيصالها تحديدًا إلى القيادة السعودية، التي ترفض منح حكومته "مباركتها" سلفًا، بل تتحفّظ عن إعطاء الحريري موعدًا يمنّي به النفس منذ أشهر.
ولهذه الأسباب، أراد الحريري أن "يفتعل" مواجهة مع "حزب الله"، لدحض "فرضية" العلاقة النموذجيّة بين الجانبين، و"طمأنة" من يهمّهم الأمر في المملكة بأنه يمضي إلى الأمام في مشروع "الصدام"، مع أخذ "الخصوصيّة" اللبنانية الشهيرة بعين الاعتبار، بطبيعة الحال.
وبين هذا وذاك، هناك من استبق تطور الأمور ليتحدّث عن "عقدة شيعية" لم تُحَلّ بعد، عبّر عنها الإشكال المستجدّ بشكل أو بآخر، في ظلّ اعتقاد شريحة واسعة بأنّ مشاركة "حزب الله"، مباشرةً أو مواربة، في الحكومة، لا تزال محور الخلاف الحقيقيّ، بمُعزَلٍ عمّا هو ظاهر.
العلاقة "مخرّبة" أساسًا!
قد لا يكون رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل سببًا مباشرًا في الإشكال المستجدّ بين الحريري و"حزب الله"، مع عدم رصد أيّ مؤشرات حقيقيّة توحي بأيّ دورٍ لعبه الرجل، تحريضًا أو ممارسة، أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه.
رغم ذلك، وعملاً بنظرية "المؤامرة" التي بات الكثير من أنصار رئيس "التيار" مقتنعين بها، اتّجهت أصابع الاتهام مباشرةً إلى الرجل، الذي لا يخفى على أحد أنه كان "ممتعضًا" من مسار العلاقة "غير الملتبسة" بين الجانبيْن، أو الخصمين المفترضين.
ويشير البعض في هذا السياق، إلى أنّ الموقف "الوسطي" الذي أخذه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، يوم تبنّى مطلب توسيع الحكومة، مع رفض الثلث المعطّل لأيّ فريق، قوبل بـ"سلبيّة شديدة" في أوساط باسيل.
ومع أنّ "العونيّين" يعتقدون أنّ العلاقة بين "حزب الله" والحريري، هي في المقام الأول "مصلحة متبادلة"، خصوصًا في ظلّ الخشية من "فتنة سنية-شيعية" لا تبدو الأرضيّة مناسبة لها، إلا أنهم يرون أنّ المقاربة يجب أن تكون مختلفة، رأسًا على عقب.
هم يرفضون "فرضية" أنّ باسيل "خرب" العلاقة بين "حزب الله" و"المستقبل"، لأنها، برأيهم، "مخرّبة" أساسًا، والمطلوب إيجاد أرضيّة لتوافق لا يكون على حساب المصلحة العامة، التي تبحث عن حكومة "إنقاذ" لا تشبه تلك التي يسعى الحريري لتشكيلها!.