يُؤكّد بعض العلماء أَنّ تغيّر المناخ الّذي أدى إِلى شحّ فيها، قد أَوقع السكّان في حالٍ مِن الرُّكود والفقر، وهي مِن أَهمّ أَسباب اندلاع ثورة سوريا!. إِنّه تحدٍّ كبيرٌ سيواجه المنطقة العربيّة، مع تسجيل احتمال وقوع حُروبٍ على المياه المُتبقّية، مع ازدياد عدد السُكّان في شكلٍ مُخيفٍ بالمُقارنَة بَين خمسينات القرن الماضي واليوم. وعلى سبيل المثال لا لحصر، فسُكّان سوريا قد قفز عددهم مِن 3،5 ملايين إِلى 22 مليونًا، وقد يتجاوزون الـ 43 مليون في العام 2050.
*في مصر ارتفع العدد مِن 20 مليونًا إِلى حوالي 85 مليونًا والمُتوقّع 125 مليونًا في مُنتصف القرن الجاري.
*في اليمن ارتفاعٌ مِن 4،5 ملايين إِلى 25 مليونًا، والمُتوقّع 52 مليون في الـ 2050.
إِنّ الجامع المُشترك بَيْن هذه الدُّول، وكذلك الأَمر في دُولٍ أُخرى أَنّها كلّها تستخدم حجم مياهٍ أَكثر مِن طاقتها. وفي هذا السّياق، نشرت صحيفة الـ"نويورك تايمز"- New York Timesتقريرًا يطرح فكرة أَنّ "مياه إِسرائيل قد تجلُب السّلام إِلى منطقة الشّرق الأَوسط، فهي تمكّنت مِن مُواجهة الأَزمة على أَكمل وجهٍ، عكس البلاد العربيّة المُحيطة بها، وأَمّا إِدارتها المائيّة المُمتازة، فقد تكون مِثالًا، بل وحافزًا للتّخفيف مِن التّوتُّر في المنطقة.
وبالعودة إِلى التّاريخ الحديث، فقبل العام 1979، كانت إِسرائيل وإِيران حليفتَيْن في تطوير موارد المياه، الّتي ما زالت على حالها في إِيران، بينما طوّرتها إِسرائيل حتّى أَصبحت تستهلك اليوم أَكثر مِن 50 في المئة مِن مياه الشّرب مِن البحر. ولا نورِد هذا المثل مِن باب "الدّعاية للكيان الغاصب"، بل ويأْتي فقط في سياق العرض الشّامل و"البانوراميّ" لأَزمة المياه الحادّة في منطقة الشّرق الأَوسط، كما وفي مناطق أُخرى وعلى امتداد الكُرة الأَرضيّة!.
ويُعطي التّقرير الصّحافيّ المُشار إِليه أَعلاه، أَمثلةً أُخرى مِن واقع البلاد العربيّة، مُقارنةً بوضع إِسرائيل، كالمثل الّذي يُرجّح أَنّ "فلسطين محظوظةٌ لكَوْنها قريبةً مِن إسرائيل، وأَنّها هي الرّابحة في الحرب المُقبلة على المياه، وأَنّ أَيّ بابٍ سيُفتح لإِسرائيل، سيُجنّب المنطقة أَزمة المياه".
وفي اختصارٍ، فإِنّ إِسرائيل هي الحلّ الوحيد لجفاف الأَرض العربيّة. أَليست تلك الفلسفة مِن أُولى بوادر الحرب الإِقليميّة على المياه؟...
ثمّة أَمَلٌ
إِلَّا أَنّ الأَمل ما زال قائمًا، في التّوصُّل إِلى تسويةٍ، يُمكن أَن تمنع قيام أَيّ حروبٍ جديدةٍ، بخاصّةٍ وأَنّ اليأس بقي حبيس "صُندوق باندورا"، لكي نبقى نحن البشر مُتطلّعين دائمًا إِلى تحقيق أَمانينا وآمالنا، في السّلم والرّفق... ولو بعد حينٍ!.
المسؤُوليّة فرديّةٌ أَيضًا
وحيال هذا الخطر الدّاهم، وإِضافةً إِلى وجوب اعتماد الحُلول القائمة على التّكنولوجيا المُتطوّرة، فإِنّ ثمّة مسؤوليّةً فرديّةً مطلوبةٌ اليوم في إِلحاحٍ، في وجه شبح الحرب الآتي... والتّكنُولوجيا الّتي بدأَت في السّبعينيّات من القرن الماضي، لم تعُد قائمةً اليوم. ولكنّ التّحديث لا يُمكن بُلوغه في ظُلّ الفساد والتّسلُّط السّياسيّ، وإِنّما مِن خلال إِنشاء هيئاتٍ ناظمةٍ لمُراقبة القطاع الخاصّ، وهذه تحتاج إِلى أَشخاصٍ من ذوي الكفاية، مُتجرّدين من أَيّ مصلحةٍ شخصيّةٍ، كي يتمكّنوا مِن مُراقبة القطاع الخاصّ.
كما وينبغي العمل على إِعادة تغذية المياه الجوفيّة، مِن خلال الآبار، والسُّدود الصّغيرة على بعض الأَنهر. غير أَنّ هذه المياه الجوفيّة، وكما هي الحال في لُبنان مثلًا، يستغلُّها أَصحاب الشّركات المُرخّصة وغير المُرخّصة، ويبيعونها إِلى المُواطنين في أَوقات الأَزمات.
وفي شكلٍ مُتوازٍ، ينبغي العمل على نشر "ثقافة ترشيد استهلاك المياه"، سواء في الاستخدام المنزليّ، أَو في قطاع الزّراعة الّتي تأخذ (في لُبنان) ثلثي استهلاك المياه. لذا ينبغي الانتقال إِلى أَساليب الرّيّ الحديثة، أَي الرّيّ بالنُّقطة، ما يُوفّر حوالي الـ50 في المئة من كميّات المياه.
الوقت الدّاهم
ولا بُدّ مِن الإشارة في هذا السّياق، إلى أنّ ترف الوقت غير متوافر في هذا الملفّ المُلتهِب، إِذ ثمّة خسائر كبيرة في كُلّ يومٍ يتمّ فيه التّقاعس في الحلول للأزمة المائيّة. ففي لُبنان مثلًا، وبحسب أَرقامٍ رفعها المُدير العامّ لوزارة الطّاقة والمياه في لبنان د. فادي قمير، فإِنّ خسائر الدّولة اللُّبنانيّة وجيوب المواطنين سنويًّا، بسبب عدم تنفيذ الخطّة العشريّة، تُقدّر بحوالي 800 مليون دولار. كما وأَنّ كلفة تنفيذ الخطّة تضاعفت إِلى ما بين 3 و 4 مليار دولار إِذا ما بدأ تنفيذها الآن!.
يبقى أَنّ ما يُثير الشُّعور في الإِحباط، أَنّ قمير، وبصفته رئيسًا لـ "شبكة الأَحواض المائيّة للبحر الأَبيض المُتوسّط"، يُشارك في التّخطيط المائيّ لبلدانها الّتي تُبصر النّور فورًا، وأَمّا في لُبنان، فتبقى الأُمور على ما هي...