في الوقت الذي تدعم فيه الحكومة المواد الأولية للصناعات الغذائية الوطنية، تجتاح الأسواق أخرى مستوردة، بشكل أساسي من سوريا ومصر وتركيا، يجدها المستهلك أرخص من تلك المصنّعة محلياً ما بين 20 و30%، في حين أن بعض المصانع اللبنانيّة كانت تلجأ إلى التصدير، لجني أرباح كونها تبيع بالعملات الصعبة.
في مقارنة بسيطة مع أسعار بعض السلع الأجنبيّة الموجودة في السوق اللبناني، يتبيّن أنّ فارق الأسعار يتراوح بين 30 و40% عما هو في بلد المنشأ، بسبب الدعم الذي تحظى به تلك الصناعات في دولها، من دون تجاهل إنهيار عملاتها الوطنية أيضاً كما هو حال العملة اللبنانية.
هذا الأمر، يدفع الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين إلى إعادة التأكيد، عبر "النشرة"، بأنّ المشكلة هي في آليّة الدعم المعتمدة، حيث يتمّ دعم صناعات وطنيّة تفضّل التصدير، الأمر الذي ظهر من خلال وجود سلع في العديد من الدول الأخرى، مقابل وجود أخرى أجنبيّة أرخص يلجأ إليها المستهلك في ظل تراجع قدراته الإستهلاكية.
من وجهة نظر شمس الدين، هذا الأمر لن يستمر طويلاً بسبب الإنهيار الحاصل في سعر صرف الليرة، حيث يشير إلى أنّه خلال الشهرين المقبلين من المفترض أن تصبح السلع المحلّية أرخص من تلك المستوردة، نظراً إلى أنّ الإستيراد يتمّ عبر العملات الصعبة، في حين أنّ إنتاج المصانع اللبنانيّة من المفترض أن يزيد مع إعادة فتح أبوابها، بعد أن كانت مقفلة بسبب إجراءات مكافحة فيروس كورونا المستجد.
هذا الواقع يعيد إلى الواجهة النقاش حول أهميّة توجيه الدعم إلى المواطنين مباشرة أو دعم الليرة لوقف الإنهيار الحاصل في قيمتها، خصوصاً أنّ الآلية المعتمدة حالياً تثير الكثير من المشاكل، من دون أن يلمس المواطن وجودها الفعلي في السوبرماركت أو المحلاّت التجاريّة، بسبب جشع الكثير من التجار الذين عمدوا إلى إستغلال الأزمة، ما يعني إستنزاف المتبقّي من ودائع اللبنانيين بالعملة الصعبة من دون تحقيق النتيجة المرجوّة.
في هذا السياق، يوضح أمين سر نقابة أصحاب الصناعات الغذائية اللبنانية منير البساط، في حديث لـ"النشرة"، أنّ دخول السلع الأجنبيّة ذات القيمة المنخفضة إلى السوق المحلّي بات أمراً ملموساً، ويعرب عن أسفه لأنّ بعضها يستفيد من الدعم المقدّم من الدولة، بالرغم من أنّ التوجّه كان بأنّ الأصناف التي تصنّع محلياً لا تُدعم مباشرة بل يتم دعم موادّها الأوليّة، بينما في لبنان المصانع التي تحصل على مواد أوليّة تُمنع من التصدير، من دون وجود آليّة للفصل بين ما يمكن أن يحصل عليه من هذه المواد من دون دعم للتصدير، ويشير إلى أنّ هذا الواقع يضع المصانع بين حدّين، لا سيما أن ليس هناك من هو على استعداد للتخلي عن التصدير.
وفي حين يلفت البساط إلى أنّ صرخة الصناعيين لم ترتفع لمعرفة مقدار الضرر الحاصل، ربما لأنّها تغطّي فجوة لا يستطيعون التصدّي لها، يشير إلى أنّ موضوع التهريب يلعب دوراً أساسياً في خفض أسعار تلك السلع، لأنّ من المستحيل وصولها بسعر أقلّ من سعر السلع المحلّية رغم كل الدعم الذي تحظى به في دولها، ويضيف: "السلع اللبنانيّة بمعظمِها تستورد موادها الأوليّة وتدفع ثمنها بالدولار الطازج".
في هذا الإطار، يشدّد البساط على أنّ هذا الواقع غير مريح بالنسبة إلى الصناعيين اللبنانيين، ويشير إلى أن ليس جميعهم قادر على التصدير، ومن يقوم بذلك كان في الأصل يصدّر قبل الأزمة، بينما المسألة ليست سهلة بالنسبة إلى الصناعي الذي يريد القيام بذلك حديثاً، ويدعو إلى مراجعة أرقام الصادرات التي لا تظهر إرتفاعاً كبيراً على مستوى الصناعات الغذائيّة، ويضيف: "الصناعيون، على مستوى كافة السلع الإستهلاكية، يعانون من الإرتفاع الحاصل في الأسعار على وقع تدهور القدرة الشرائيّة لدى المواطنين، نظراً إلى أنّهم باتوا غير قادرين على البيع بالشكل المطلوب".