دأب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على الدعوة الى العديد من الاجتماعات الامنية والاقتصادية والمالية خلال فترة الاشهر القليلة الماضية، في ظل استقالة الحكومة والتعقيدات المتلاحقة التي تطال تشكيل حكومة جديدة. ولكن، اذا كانت الامور في الشكل تطمئن الى ان المتابعة الرسمية لكل المشاكل التي يعاني منها المواطن والوطن عامة موجودة وقيد المتابعة، الا انه في الواقع لا نعاين ايّ تغيير او تحسّن في النتائج او حتى تنفيذ سريع لما تمّ الاتفاق عليه خلال هذه الاجتماعات. ليس في الامر مفاجأة، فالمخرج دائماً يكون عبر الجيش اللبناني والقوى الامنيّة بحيث يتم تنفيذ الشقّ المتعلق بهما، بصورة مباشرة وسريعة او تمهيدية اذا اقتضت الحاجة. اما كل ما يتعلق بغير الشق الامني، فيبقى كلاماً يدور في فلك التنفيذ من دون ان يعرف طريقه اليه، وتستمر خلاله الكلمات الموضوعة موضع اعجاب وتقدير، فيما يتحول تنفيذها الى مواضيع مستعصية لا يمكن وضعها موضع التنفيذ.
كيف يمكن انتظار تحوّل الكلام الى افعال بعد هذه الاجتماعات التي يحضرها مسؤولون على خلاف مع بعض على الاسلوب والافكار، ويحمّلون بعضهم البعض مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع، ويتقاذفون كرة النار من يد الى اخرى لتبرئة صفحتهم وابعاد مساوئ الاتهام عنهم. فكيف اجتمع رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على طاولة واحدة لمناقشة كيفية انقاذ البلد، فيما السجال قائم بينهما في السر والعلن ولا بوادر تراجع فيه؟ وما الذي ينتظره المرء من رئيس حكومة تصريف اعمال هدّد بالاعتكاف والتوقف عن القيام بهذه المهمّة التي اناطه بها الدستور، معتبراً اياها وسيلة ضغط مشروعة، وكأنه بات من عداد الحرك الشعبي الذي قطع أوصال الوطن في الايام الماضية، او من قياداته واركانه التي تنتقد الحكومة عند كل شارة وواردة، فيما لم يصل دياب بعد الى هذه الحالة. وازاء كل ذلك، يبقى رئيس الجمهورية مصراً على الدعوة الى اجتماعات متواصلة ومكثفة، مع علمه المطلق بأنّ ايّ تحسن، ولو تدريجي للازمة ، هو امر بعيد المنال وينتظر تشكيل الحكومة الجديدة التي يختلف مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، على اسلوب النظر اليها والتعاطي معها.
ما الذي يمكن توقعه من دياب، الذي يشكو وضعه للناس وطالبهم بايجاد الحلول واستنباط ما يمكن كي تعود الحيوية الى الوضع اللبناني؟ ومن الّذي سيمنع وقاحة الدولار من الاستمرار في خرق السقف الذي كان يأويه لسنوات وسنوات، ويصل الى سماء سعر الصرف مقابل الليرة اللبنانية التي باتت تخجل بالارقام الموضوعة عليها، اذا ما اشتكى حاكم مصرف لبنان من هذا النوع من الصعوبات، واعادة الكرة الى اللبنانيين المنتظرين رداً اكثر حزماً على تحكم البعض بسعر صرف الدولار من جهة، وبعض آخر تولى إخفاء السلع المدعومة؟ وفي كل مرة ينتهي بها الاجتماع الامني-الاقتصادي او المالي في بعبدا، يصدر بيان يشرح فيه ما جرى وما شهدته الجلسة من نقاشات وتبادل آراء، ولكنه يبقى "حبراً على ورق" لانه يفتقد الى الهيبة لتنفيذ مضمونه، بدليل تصاعد الحركات الشعبية الاجتجاجية في الشارع من جهة، وزيادة اسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بشكل جنوني في المحلات والسوبرماركت، وجنون ارتفاع سعر الدولار تجاه الليرة، وهي كلها امور من المفترض ان يكون المجتمعون قد ناقشوها جملة وتفصيلاً وخرجوا بالقرارات المناسبة لوضع حدّ لها وضبطها، بينما ما يحصل هو عكس ذلك تماماً، لتزيد المعاناة وتضطرب الاوضاع اكثر فأكثر...
لا يكفي عقد الاجتماعات واخذ الصور كي تتم معالجة الامور، الطارئة منها والمستجدة بفعل وباء كورونا، لانّ الوضع بات لا يحتمل، ولا يجب على احد من المجتمعين الادلاء بأيّ موقف او تصريح قبل ضمان آلية معيّنة كافية على تنفيذ مضمون المقترحات في مهلة زمنيّة معيّنة ووفق اصلاحات تدريجيّة، فيستحقون عندها ثقة المواطن ويرفعون آماله في استعادة جزء من كرامته وقدراته ليستطيع الاستمرار في بناء حياة يريدها كريمة لينعم بها واولاده.