في الوقت الذي كان فيه أغلب الخبراء من الماليين والإقتصاديين يحذرون من خطر الذهاب إلى أيّ زيادة في الأجور في المرحلة الراهنة، رغم خسارتها قيمتها الشرائية الفعلية بسبب الإنهيار الحاصل في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، خرج النائب علي حسن خليل بإقتراح قانون معجّل مكرّر لزيادة رواتب العاملين في الأسلاك العسكرية والأمنية مليون ليرة شهرياً لمدة 6 أشهر.
الحجّة الأساس التي كانت تقدم لرفض أي زيادة في الرواتب هي أن الدولة لن يكون لديها القدرة على القيام بذلك إلا من خلال طبع المزيد من العملة، بسبب تراجع إيراداتها، ما يعني زيادة نسبة التضخم والإنهيار في سعر الصرف، في حين أن المؤسسات الخاصة، التي بأغلبها على شفير العجز والإفلاس، لا يمكن مطالبتها بالذهاب إلى مثل هذه الخطوة، لأن الأولوية اليوم هي في حماية الذين هم في وظائفهم.
قبل مبادرة خليل إلى هذا الإقتراح، كان العديد من النواب ذهبوا إلى إعلان تأييدهم لهذا الأمر، في تكرار لمعزوفة تحترفها القوى السياسية، لناحية التغنّي بالمؤسسة العسكرية من دون أن تقدم يوماً بالبحث في كيفية دعمها أو تعزيزها، بدليل ما صدر في الكلمة الماضية لقائد الجيش العماد جوزاف عون حول كيفية التعامل مع موازنتها، الأمر الذي يذكر بالبيانات التي تهطل عند الأول من آب من كل عام بمناسبة عيد الجيش.
قبل التطرق إلى هذا الإقتراح، من الضروري التأكيد على حقّ العاملين في الأسلاك العسكريّة والأمنيّة، كغيرهم من المواطنين الذين يعانون من تداعيات الأزمة الماليّة والإقتصاديّة التي سببها الأساسي فساد السلطة السياسية، في تصحيح رواتبهم، لا بل ان أي زيادة لا توازي بأي شكل من الأشكال التضحيات التي يقومون بها والتي تصل إلى حد الإستشهاد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بالتداعيات المترتّبة على هذا الإقتراح وأسباب حصره بفئة معينة دون سواها؟.
بحسب الأرقام المقدرة، فإن هذه الزيادة تحتاج إلى 800 مليار ليرة لتغطيتها على مدى 6 أشهر، لا يمكن أن تؤمّن إلا من خلال طبع العملة، في حين كان من الأفضل أن يذهب أعضاء المجلس النيابي للبحث عن الإجراءات التي تؤدّي إلى تحسين الواقع الذي يعاني منه جميع المواطنين دون إستثناء، والتي أقلها تشكيل الحكومة حيث يجمع المعنيون أن ولادتها ستقود إلى إنخفاض سعر الصرف في السوق السوداء، نظراً إلى أن 30% من قميته سياسي.
قبل الإنتخابات النيابية في شهر أيار من العام 2018، دفعت الشعبوية المجلس النيابي الماضي إلى إقرار سلسلة الرتب والرواتب، التي هي حق لموظفي القطاع العام، من دون القيام بالإجراءات الإصلاحيّة التي يجب أن ترافقها كي لا يكون لها أي تداعيات سلبية، واليوم الأمر نفسه يتكرر لأنّ غالبية الكتل النّيابية لن تكون قادرة على رفض هذا الإقتراح، خوفاً من التداعيات السلبيّة لمثل هكذا موقف على واقعها الشعبي، خصوصاً أنها لا تفكر في هذه الأيام إلا بكيفيّة التحضير للإستحقاقات الإنتخابيّة المنتظرة في العام المقبل.
أبعد من ذلك، هذا الإقتراح، رغم أنه محدّد المهلة بـ6 أشهر، قد يكون باباً للمزيد من الإضطرابات الشعبيّة، نظراً إلى أنّ موظفي باقي القطاعات الرسمية سيعمدون إلى إعلان الإضرابات والإعتصامات للمطالبة بالحصول على هذه الزيادة، والأمر نفسه سينطبق على العاملين في القطاع الخاص، خصوصاً أن الأزمة طالت الجميع دون إستثناء، فهل تملك الدولة القدرة على تحمل هذه الأمر؟.
في المحصّلة، الحلول مكانها معروف لم تعد تحتاج إلى الكثير من البحث، تبدأ من الذهاب سريعاً إلى تشكيل حكومة تقوم بالإجراءات الإصلاحيّة المطلوبة، التي تشترط جميع الجهات الدولية المعنيّة القيام بها لتقديم المساعدات، لا الإستمرار في الخطابات والإقتراحات العشوائيّة التي لن تقود إلا إلى زيادة حجم الكارثة التي حوّلت حياة اللبنانيين إلى جحيم.