اعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، أن "المطلب الرئيس لكل حر في هذا البلد، وهو الذي دفعنا للإصرار على تأكيد صيغة المواطنة، كأساس للعدالة الوطنية والاجتماعية، ولوظيفة الدولة، ومنطق الحكم والسلطة، لأن الظلم حرام، سواء كان بلباس طائفي أو إقطاعي أو صيغة دستورية أو منظومة سياسية، فالبلد الآن في أسوأ حالاته وسط أزمات وطنية وطواحين طائفية، والذي نخشى ما نخشاه أن تتحول إلى أزمة هويات وخيارات وجودية".
ولفت قبلان، في رسالة الجمعة، إلى أن "غايتنا القصوى الآن هي الاتفاق على حكومة طوارئ وطنية كضرورة ماسة لمنع اشتعال البلد، وعودة المتاريس. وهنا أعود وأؤكد وأحذر بشدة من العزل السياسي، لأن العزل السياسي أخطر من أي عدوان خارجي، ومن يعتقد أن بإمكانه إنقاذ البلد عن طريق كسر الشريك الآخر هو مخطئ وواهم"، مشدداً على "الحلول السياسية كمدخل ضروري لأي إنقاذ مالي ونقدي واجتماعي، لأن ترك البلد على هذا النحو من النزف المالي السياسي والبطون الفارغة والغضب الشعبي والشارع السياسي واحتكار الأسواق وتجارة الجوع ولعبة الخوف وحواجز الطائفية والخصومة على حافة الخيط الرفيع أمر خطير للغاية، وتداعياته أخطر بكثير".
كما طالب بـ "النزول على الأرض، والاطلاع على أوضاع الناس ومشاركتهم ظروفهم الصعبة وليروا بأم العين طوابير الجوعى، وكوابيس الفقر ونيران الأزمة المعيشية التي تطحن الناس. نعم، المطلوب دولة على الأرض وليس وراء المكاتب، المطلوب زعامات وطنية تتواجد مع الناس وفي الشوارع، وليس في القصور، وخلف الجدران". وأكد أن "المطلوب ممن استفاد من السياسة والمال العام أن يدفع الآن لأن البلد ينزف، البلد ينهار نتيجة سياساتهم. المطلوب منع المافيات المالية والتجارية من لعبة النهب، والسلب، والاحتكار والتسعيرات الخيالية، المطلوب قضاء حر وقرار حر، وسياسات اجتماعية ولو بالحد الأدنى. باختصار مفيد، إن وضعية البلد بحاجة إلى حكومة طوارئ في أسرع وقت وإلا فنحن ذاهبون إلى الانفجار الكبير".
وتوجه قبلان للطبقة السياسية قائلاً "كفى مماطلة وتسويفا، فلعبة التحدي مدمرة، كذلك لعبة الشارع، التي ستأخذ البلد إلى فوضى عارمة قد لا يكون لها نهاية، لأن تحريك الشارع أمر سهل، إلا أن السيطرة على حريقه أمر صعب. وفي هذا السياق، علينا أن نحذر من الآتي، لأن ظروف الناس صعبة، ووضعية البلد مهددة بشدة إن لم نصل سريعا إلى اتفاق سياسي حول حكومة طوارئ وطنية".
وتابع، "الذي يعتقد أن نيران فوضى البلد لن تصل إليه هو أيضا مخطئ، وقصة شوارع وأتباع وجماهير. نحن على يقين أنها ستتحول إلى نقمة على من يعيش الرفاهية والتخمة فيما ناسه يعيشون الجوع والذل والقهر والتسول في الشوارع"، لافتاً إلى أن "الناس أيها الساسة جوعى، والبلد منهار، والانتظار ثقيل، والليرة انتهت، والأسواق بيد قلة والإغاثة الدولية معدومة، وما نحن فيه أشبه بجمر تحت الرماد، قد يشتعل في أي لحظة وتداعياته مصيرية، بعدما سيطر الفقر على أكثر من 80% من شعبنا وناسنا، والجوع لا طائفية فيه ولا مذاهب، وبالتالي ممنوع تحويل الجوع إلى متاريس طائفية".
وطالب بـ"توحيد المطالب كأساس لقيام جبهة وطنية، لأن التقسيم بالطائفية والمناطقية يعني الانتحار وتحويل بقية السلطة إلى حواجز وإقطاع، وهذا ما نحذّر منه، فأوقفوا عملية تدمير البلد بلعبة الشوارع والاحتكار والدولار التي لا تخدم إلا من يرى البلد فريسة وليس وطنا".
كما توجه المفتي قبلان "إلى إخواننا المسيحيين وبالخصوص الى الشباب وأصحاب الطاقات منهم وشركائنا في الوطن والعيش المشترك والتاريخ الحي لأقول لكم إياكم والهجرة فإن الهجرة مقبرة الوطن، ونهاية البلد، فضلا عن أنها إفناء للتاريخ والذاكرة، ولمهد الآباء والأجداد فنحن وإياكم عائلة واحدة وجسد واحد وروح واحدة وعيشنا مشترك وماضينا واحد رغم تفاصيله المؤلمة وحاضرنا واحد رغم مآسيه، ولا قيمة للمسلم دون شريكه المسيحي، كما لا قيمة للوطن إذا هجره أهله، خاصة أن هناك من يريد تحويل لبنان إلى بلد نزوح وتوطين، عن طريق فتح أبواب العالم أمام مواطني لبنان، خاصة المسيحيين، فاحذروا من فخ الهجرة لأنها أخطر أسباب نهاية لبنان النموذج والوطن القائم بجناحيه المسلم والمسيحي".
بموازاة ذلك، استقبل قبلان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، حيث أكد المكتب الاعلامي في دار الافتاء، أن "ابراهيم أطلع سماحته على آخر المستجدات في المساعي التي يجريها لجهة تقريب وجهات النظر بين المسؤولين عن تأليف الحكومة. وكان تأكيد على ضرورة تكثيف الجهود لبلوغ عملية التأليف في أقرب وقت ممكن، لأن البلد لم يعد يحتمل كل هذا التحلل بمؤسسات الدولة ولا كل هذا الضيق الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي. كما لا يجوز أن يكون أي منصب أو أي مركز في الدولة أهم من مصير البلد".
وأكد قبلان على "ضرورة تنازل الأطراف السياسية المعنية بعملية تشكيل الحكومة وتقديم كل التسهيلات من أجل ولادتها قبل حدوث الانفجار الكبير".