على الرغم من كل المؤشرات السلبية التي تحيط بالأزمة اللبنانية في الوقت الراهن، إلا أن ذلك لا يلغي وجود تحوّلات كبيرة على مستوى المنطقة قد تكون مساعدة، لكن إستغلالها يتطلب أسلوباً جديداً في التعامل معها، لا الإستمرار في معادلة اللعب على حافة الهاوية التي تمارسها مختلف القوى السياسية، الأمر الذي يهدد بدخول البلاد في المجهول.
أساس هذه التحولات، يبدأ من التطور المنتظر على مستوى العلاقات الأميركية-الإيرانية، التي تتجه إلى إتفاق جديد في المرحلة المقبلة بغض النظر عما إذا كان قبل الإنتخابات الإيرانية، المقررة في شهر حزيران المقبل، أو بعدها، بالإضافة إلى التطور الآخر على مستوى المواقف العربية المستجدة من الأزمة السورية، حيث الإعلانات المتكررة عن الرغبة في إعادتها إلى "الحضن" العربي، ما يعني الإنتقال إلى مرحلة جديدة من الأزمة سيكون عنوانها الأساسي إعادة الإعمار.
في ظل هذا الواقع، تظهر العديد من القوى الدولية والإقليمية حرصها للحفاظ على الإستقرار المحلي، بالرغم من أن التسوية الكبرى لم تنضج بعد، إلا أنها ترمي بالمسؤولية على عاتق القوى المحلية، الأمر الذي تُرجم بشكل واضح في المواقف المعلنة من جانب وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، الذي أشار إلى أنه "لا يرى أي بادرة على أن السياسيين اللبنانيين يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ بلادهم".
هذا الموقف الفرنسي، أول من أمس، تزامن مع موقفين يصبان بالإتجاه نفسه، الأول صادر عن مجموعة الدعم الدولية للبنان والثاني عن وزير الخارجية المصرية سامح شكري، في حين كانت الساحة اللبنانية عالقة في الخلافات المستمرة حول الحصص والحقائب في الحكومة العتيدة، بينما التداعيات الكارثية التي يعاني منها المواطنون تزداد، على وقع الإنهيار المستمر في سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
ما تقدم لا يلغي وجود مؤثرات خارجية سلبية في الواقع اللبناني، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، إلا أنها تشدد على أنها لم تعد بالحجم الذي كانت عليه قبل أشهر، تحديداً قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز فيها المرشح الديمقراطي جو بايدن، حيث تشير إلى أن الإدارة السابقة برئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب كانت أكثر تشدداً.
من وجهة نظر هذه المصادر، هامش تحرك الأفرقاء المحليين اليوم من المفترض أن يكون أوسع من الماضي، وبالتالي عليهم إستغلال الفرصة بدل إنتظار التسوية الشاملة التي لن تكون في وقت قريب، حيث ترى أن هناك مظلة دولية كافية لإبرام تسوية محلية تقود إلى إنجاز التشكيلة الحكومية والحفاظ على الحدّ الأدنى من الإستقرار، بدل الإستمرار في حالة الفراغ القاتل التي تهدد بالمزيد من الإنهيار، سواء كانت ذلك على المستوى الإقتصادي أو المالي أو الأمني.
وتشدّد المصادر نفسها على أن ذلك يتطلب أن يكون لدى القوى اللبنانية المعنية الحد الأدنى من الحس الوطني، بدل الإستمرار في الرهان على إمكانية قلب موازين القوى على مستوى المنطقة أو تحسين شروط هذا الفريق الإقليمي أو ذاك، حيث تعتبر أن المعركة باتت في نهايتها، وبالتالي خطر ذهاب أي جهة إلى المغامرة بأي ساحة لتأمين المزيد من الأوراق التفاوضية أمر طبيعي.
في هذا الإطار، تسغرب المصادر السياسية المطلعة العدد الهائل من المبادرات التي تطرح في البازار الحكومي في الوقت الحالي، بالتزامن مع تزايد عدد اللاعبين الإقليميين والدوليين، بينما المطلوب من المفترض أن يكون واضحاً منذ 7 أشهر، أي تاريخ رعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإجتماع معظم الأفرقاء المحليين في قصر الصنوبر، لناحية تشكيل حكومة لا تقصي أحداً تتعهد بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
بناء على ذلك، تسأل هذه المصادر عما إذا كان من الصعب الوصول إلى هذه المعادلة في حال كانت هناك رغبة فعلية بتأليف الحكومة، بدل الإستمرار في حالة الإنتظار القاتل الذي يزيد من حدّة الأزمة وسرعة التدهور الحاصل، ويفتح الساحة أمام إحتمال الذهاب إلى سيناريوهات أسوأ، خصوصاً على مستوى إستغلال التحركات على الأرض، حيث يتم اللعب بسعر الصرف بشكل دائم لدفع المواطنين إلى النزول إلى الشارع؟.
في المحصلة، تجزم المصادر نفسها بأن مفتاح الحل هو بأيدي الإفرقاء المحليين أولاً، نظراً إلى أن الظروف الدولية ليست معقدة بالشكل الذي يتم تصويره، لا بل تؤكد أن تشكيل الحكومة اليوم يفتح الباب أمام إحتمال إستغلال العديد من التحولات الإيجابية المنتظرة، بدل المغامرة بالسقوط في آتون الصراعات في الوقت الضائع، الأمر الذي قد يحتاج الخروج منه إلى سنوات لا أشهر.