بسلاسةٍ غير معهودة، بل مفاجئة للكثيرين، مرّ "قطوع" التسريب المنسوب لرئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي تناول فيه دولاً خليجيّة، من باب العلاقة مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي نال "نصيبه" من الهجوم "الجنبلاطيّ".
وفقًا للتسريب الذي تمّ تداوله على نطاقٍ واسع، والذي اعتبره جنبلاط "مجتزأ"، وصف "البيك"، رئيس حزب "القوات"، بأنه "هيدا اللي قاعد عالتلّة"، معتبرًا أنّه "مرتاح على وضعه" لأنّ علاقته "ممتازة" مع السعودية، قبل أن يتساءل عن أسباب وخلفيّات "الرهانات" عليه.
لم يُنكِر جنبلاط ما سُرّب عنه، بل على العكس من ذلك، قدّم عبر حسابه في "تويتر" اعتذارًا عمّا بدر منه، ومن شأنه أن يشكّل "إساءة لأطراف داخلية ودول عربية"، قبل أن يتمنى أن يكون "توضيحه" المقتضب هذا، "كافيًا لجلاء أيّ ملابسات".
ومع أنّ "جلاء الملابسات" لا يمكن أن يتحقق بتغريدة مختصرة من كلمات معدودات، إلا أنّه بدا "كافيًا" لـ"القوات اللبنانية" لتجاوز ما حصل، إذ لم يُرصَد أيّ تعليق لقيادتها على ما حصل، وكأنّ لا تسريب حصل ولا من يحزنون..
علاقة "إشكاليّة"
رغم صعودها وهبوطها في محطّات كثيرة، منذ تلاقيهما في إطار معسكر الرابع عشر من آذار بعيد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، إلا أنّ علاقة "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"القوات اللبنانية" تبدو إشكاليّة للعديد من الاعتبارات والأسباب، والحسابات التي قد تكون في بعض جوانبها "تاريخيّة"، مع عجز "مصالحة الجبل" عن طيّها بصورة نهائيّة.
وبعيدًا عن الأبعاد التاريخية، يعتقد كثيرون أنّ العلاقة "الشخصية" بين "البيك" و"الحكيم" ملتبسة بدورها، فلكلا الرجليْن "تحفّظات" على الآخر، لجهة التكتيكات السياسية بالحدّ الأدنى، علمًا أنّ هناك من يتحدّث أيضًا عن "منافسة" بينهما على "كسب ودّ" الجهات الإقليمية نفسها.
لكن، في مقابل هذه "التحفّظات"، ثمّة من يعتقد بوجود "مصلحة مشتركة" بالتفاهم، خصوصًا في ضوء "التقاطع السياسي" القائم بين الجانبيْن، أقلّه في هذه المرحلة، على خطّ تموضعهما الواضح في المعارضة، في مواجهة "عهدٍ" يعتبر الفريقان أنّهما تضرّرا كثيرًا بسببه.
لكنّ هذه "المصلحة" تنتفي برأي البعض، طالما أنّها لا تترجَم بخطوات عملية على الأرض، وهنا يسجّل "القواتيون" تحديدًا عتبًا كبيرًا على "الاشتراكي" ومعه "المستقبل"، لكونهما لم يتناغما معه في "مخطط" استقالة نوابهم من مجلس النواب، ما كان من شأنه أن "يطيح" البرلمان بالضربة القاضية، ويفرض إجراء انتخابات نيابية مبكرة، تعتبرها "القوات" الأولوية المطلقة.
ولأنّ "القواتيين" يعتقدون أنّ رفض جنبلاط، كما "المستقبل"، جاء بناءً على "تمنّيات" من رئيس البرلمان نبيه بري، "صديقهما المشترك"، فإنّهم يعتقدون أنّ العلاقة مع "الأستاذ" تشكّل نقطة مُضافة لـ"التحفظ" على أداء "الاشتراكي" وعدم الرهان عليه في أيّ مشروع معارض بالكامل، خصوصًا أنّ التجربة أثبتت أنّ جنبلاط لا يتردّد في التراجع عن "التصعيد" في أوجه.
الأولويات مختلفة!
لكلّ هذه الاعتبارات، كان من المنطقيّ أن لا ينزل "تسريب" جنبلاط عن "الحكيم" بردًا وسلامًا على "القوات"، علمًا أنّ الكلام نفسه لو صدر عن أيّ شخصية أخرى، كرئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل مثلاً، كان من شأنه أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، ويتسبّب بمعارك ومواجهات لا تنتهي، وربما لا تُحمَد عقباها أيضًا.
لكنّ ما حصل أنّ "القوات" تجاوزت التسريب الإشكاليّ بكلّ بساطة، ولم تشعر بالحاجة إلى مقاربته أو التعليق عليه، لأنّ "البيك اعتذر، واعتذاره كافٍ ووافٍ"، بحسب ما يقول مقرّبون منها، ويشيرون إلى أنّ قيادة "القوات" قدّرت الاعتذار الذي يعني أنّ "البيك" اعترف بالإساءة التي لم يقصدها، وبالتالي فهي لم تُرِد "تكبير المشكل" أكثر.
أما السبب الجوهري لتجاوز مضمون التسريب، وفق ما يقول هؤلاء، فيكمن في أنّ أولويات "القوات"، كما الناس، مختلفة اليوم، وبالتالي فإنّ تحويل كلمة قالها هذا الزعيم في حق ذاك إلى أزمة كبرى، من شأنه أن يشكّل "تسطيحًا وتسخيفًا" للأزمات الجوهرية الكبرى التي يواجهها المواطنون اللبنانيون، في ظلّ الارتفاع الجنوني للدولار، وغلاء الأسعار، والبطالة المتفاقمة، والجمود السياسي الذي يبدو بلا أفق حتى الساعة.
ولا يخفي المحسوبون على "القوات" والمقرّبون منها، وجود "مصلحة سياسية" في عدم "تضخيم" الإشكال مع جنبلاط، لأنّ "التنسيق" بين الجانبين قد يكون ضروريًا في المرحلة المقبلة، طالما أنّهما في "تموْضع" واحد، رغم كلّ الظروف غير المشجّعة، علمًا أنّ "البوصلة" بالنسبة إلى "القوات" واضحة: الأولوية هي مواجهة "العهد"، والطريق لذلك تبدأ من انتخابات نيابية مبكرة لإعادة رسم الخريطة السياسية، وكلّ ما عدا ذلك تفاصيل لا تقدّم ولا تؤخّر.
صفحة وطُويت؟
يرفض المحسوبون على "الحزب التقدمي الاشتراكي" التعليق على مضمون التسريب، باعتبار أنّ "الصفحة طويت" مع الاعتذار "الجريء والنبيل" لجنبلاط. ورغم تأكيدهم أنّ ما سُرّب كان "مجتزأ"، كما جاء في تعليق جنبلاط نفسه، إلا أنّهم لا يرون أيّ "مصلحة" في إعادة النقاش حول المقصود منه، والذي "أسيء فهمه" كما يقولون.
أبعد من ذلك، يستبعدون أن تتأثر العلاقة مع "القوات" في المرحلة المقبلة، مع تقديرهم "حرص" قيادتها على عدم استخدام ما حصلة "مطيّة" لإشكال لن يقدّم ولن يؤخّر في ظلّ الأزمات. هم يؤكدون أنّ "التنسيق" بين الحزبين لم يتوقّف في المرحلة الماضية، رغم الاختلاف في بعض الآراء ووجهات النظر، وهو سيستمرّ بطبيعة الحال.
لكن، في مقابل "الترقيع" المستمرّ، وربما المتبادل بين "الاشتراكي" و"القوات"، ثمّة من يؤكد أنّ ما حصل ترك أثره في الكواليس، وهو زاد "المتوجّسين توجّسًا" إن جاز التعبير، ولا بدّ له أن ينعكس على العلاقة، غير السوية والملتبسة أصلاً، والتي قد تبقى "تراوح مكانها" في أحسن الأحوال، إذا لم تتراجع أكثر.
باختصار، يقول البعض إنّ جبران باسيل هو من "أنقذ" البلاد من فتح "جبهة" بين "القوات" و"الاشتراكي"، لأنّ أولويتهما المشتركة تقضي بمواجهته، بعيدًا عن الانشغال بمعارك جانبية، معارك يعتقد كثيرون أنّها حصلت وتحصل، لكن تحت الطاولة وخلف الكواليس، رغم كلّ ما قيل ويُقال وسيُقال...