يبدو أنّ لبنان لن يشهد فصل الربيع هذا العام، وما يعيشه اليوم من خريف قاسٍ، سيتحول قريباً إلى شتاء عاصف، وكل المؤشرات تدلّ إلى ذلك خصوصاً بعد أن أصبح بالإمكان القول اليوم أن الملف الحكوميّ معطّل، وأن المبادرات التي كانت تُجرّب سقطت.
رغم الجدل الذي رافق مبادرة مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، يبقى الأكيد أنّها لم تصل إلى نتائج إيجابيّة، ومثلها مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري التي لاقت اعتراضاً واضحاً من الممسكين بقلم التوقيع على ولادة الحكومة، وبالتّالي فإنّ الأمور توقّفت عند هذا الحدّ، بينما التدهور والفوضى والقلق فلم يتوقفوا مطلقاً.
لم ينجح حزب الله بتليين موقف التيار الوطني الحر، ولم تنجح حركة أمل بتعديل موقف سعد الحريري، ويتحدث المتشائمون عن أن ما نعيشه اليوم لن ينتهي عام 2021، مشيرين إلى أن الأزمة بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة المكلّف سعد الحريري باتت أصعب من أن تُحلّ، وهي لن تنتهي إلا بخيارين، إما اعتذار الحريري، وإما انتهاء ولاية الرئيس عون.
يبني هؤلاء تحليلاتهم على الجوّ السعودي الذي يتحدّث عن "سقوط" ورقة سعد الحريري في المملكة، وبالتالي لم يعد بإمكانه سوى الإعتذار، أو التمسّك بورقة التكليف على أمل أن تتغير الأمور، وهو ما يفعله اليوم عبر تضييع الوقت، وفي نفس الوقت، يركّزون على موقف رئيس الجمهورية الذي لن يقبل بأن يختم حياته السياسية بتنازل وضعف.
إنّ هذا الواقع السيء المستمرّ يدفع الأمور نحو الفوضى، وهو ما حذّرت منه إحدى الوثائق الأمنية المسربة عن "الأمن العام"، التي ولو لم تكن صحيحة، إلا أن محتواها صحيح، إذ ترى مصادر مطّلعة عبر النشرة" أن التركيز يجب أن يتّجه إلى الوضع الأمني، فكل المؤشرات تدلّ على أن البلد يسير بخطىًثابتة نحو مرحلة صعبة لفرض المزيد من الضغوطات على حزب الله للتنازل.
وتضيف المصادر ان "لبنان اليوم ساحة خصبة للفوضى، فكل مقومات الحياة باتت مفقودة، فلا الدواء مُتاح، ولا الغذاء مُباح، ولا المحروقات موجودة، ولا الكهرباء ثابتة، ولا أمل بالغد، ولا استقرار بالحاضر، وقطع الطرقات يزيد الطين بلّة، فيساهم برفع مستوى الصراع الطائفي، إلى جانب التلاعب الواضح والفاضح بسعر صرف الدولار والذي بكل تأكيد لا يتعلّق بأيّ قواعد علميّة اقتصاديّة"، مشيرة إلى أنّ المشهد المقبل لن يكون جميلاً.
اقتربت السوبرماركات من إقفال أبوابها، وبعضها قد فعل، وانتهى الدعم للمواد الغذائيّة، ولو أنّ موعد الدفن لم يُحدّد بعد، وبدأت الأحزاب تنتظر لحظة السقوط ولقاء رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان يصب في هذه الخانة، فالرجلين يريدان حماية "الدروز" بظل السقوط، ومثلهما سيفعل كل حزب، وعندها نتحول إلى مجتمعات عديدة، بأمن ذاتي، غذائي وعسكري.
وتكشف المصادر أنّ كلام قائد الجيش جوزاف عون الأخير كان واضحاً بمعانيه، خصوصاً بما يتعلّق بعدم نيته خوض المعركة مع المواطنين نيابة عن السلطة، وبالتالي فمن غير المتوقع أن يخوض الجيش معركة "بقاء" الدولة، لذلك فإنّ المسؤولية تقع على عاتق السياسيين أولاً.
إنّ كل هذه الوقائع تقود إلى نتيجة واحدة، وهي أننا نعيش في زمن الفوضى، وفي هذا الزمن لا ينفع إلا عبارة "الله يرحم اللبنانيين".