وسط الازمات المتلاحقة في لبنان، وعلى الرغم من كل المشاكل والصعوبات التي تعصف بهذا البلد، يتمسك المجتمع الدولي كما اللبنانيون بخيط الخلاص الوحيد الباقي وهو الجيش اللبناني. وبينما يستمر "الفيتو" الموضوع على تسليح الجيش بأسلحة نوعية مهمة للدفاع عن سيادة لبنان تجاه الاطماع الخارجية وخصوصاً منها الاسرائيلية، يزداد تحصين الجيش للحفاظ على الامن الداخلي ومنع لبنان من الانهيار الكلي والفوضى، وبالتالي ابقاء الستاتيكو الحالي على ما هو عليه من مؤشرات تدلّ على الموت دون الوصول اليه. صحيح أنّ حزب الله اتّجه نحو روسيا وخرق عبرها الحظر الدبلوماسي المفروض عليه اوروبياً واميركياً، الا ان زيارة قائدالقيادةالمركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي الى لبنان كان لها طعم آخر، ورسالة واضحة لا لبس فيها حملها مسؤول بلباس عسكري بلغة وطعم سياسيين. تراجعت نسبة التفاؤل السياسي في ما خص موضوع تشكيل الحكومة، وأصيب الكثيرون بخيبة كبيرة على اثر ما تسرب من لقاء وفد حزب الله بمسؤولي الخارجية الروسيّة في موسكو، حيث كان هؤلاء يمننون النفس بسماع موقف متقدم يسرّع خطى التشكيل بطريقة ما، خصوصاً وان الروس تدخّلوا في الفترة الاخيرة بالوضع اللبناني بشكل مباشر ومتسارع أوحى وكأنهم يملكون عوامل النجاح. مقابل هذا التوجه، كان الجنرال ماكينزي يلتقي قائد الجيش العماد جوزاف عون في اليرزة، ويجول على مواقع عسكرية وانمائية في لبنان، ويشدد على التعاون مع الجيش اللبناني وعلى اهمية لبنان والحفاظ على امنه بالنسبة الى الولايات المتحدة.
ماذا يعني هذا الكلام عملياً؟ الامر بالنسبة الى مصادر متابعة للتحركات الخارجية في لبنان، يتخطى مبدأ رسالة الدعم الدائمة للجيش، والا فما الحاجة الى وصول الجنرال ماكينزي الى لبنان، فيما كانت الرسالة اكثر من كافية لتحقيق هذه الغاية؟ واعتبرت المصادر ان الاميركيين يصرّون على افهام كل من يعنيهم الامر ان ابتعادهم عن الوضع السياسي اللبناني، لا يعني تخلّيهم عن المظلّة الامنيّة التي ترعاه، وان الاخلال بالامن قد يكون مقبولاً بعض الشيء، انّما لا يمكن لأحد ان يتخطّى سقفاً معيّناً، اي بمعنى آخر ممنوع حصول الانهيار الامني، وهذا ما يجب على الجيش القيام به بدعم اميركي ودولي لا شك فيه. وبذلك، يستعيد الجيش مكانته الكبيرة لدى الاميركيين بعد ان مرّ في فترة سابقة، بتشكيك من قبل اعضاء في الكونغرس، لكن ممارساته وما قام به خلال السنوات الماضية، اسكت منتقديه الاميركيين وبرهن للجميع انه يبقى العامل الافضل والانسب للرهان عليه في ظل المتغيّرات اللبنانية المتقلبة بسرعة كبيرة، وهو بمثابة "الخرطوشة الاخيرة" التي يأمل العالم في الحفاظ عليها كي يبقى الاساس اللبناني قائماً، ليتم اعادة الاعمار من جديد بعد ان تهدمت المؤسسات والبنى التي كانت قائمة. وفي رأي المصادر ايضاً ان الرسالة الاخرى التي تضمنتها الزيارة هي دعم قوي لشخص قائد الجيش، في رؤية قد يمكن اعتبارها بمثابة ضوء اخضر لتعبيد الطريق امامه الى قصر بعبدا بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال عون. وعلى الرغم من انه لا يزال من المبكر الحديث عن مسائل الرئاسة واللاعبين الاساسيين فيها، الا انّه من اللافت ارتفاع حظوظ وصول العماد عون الى هذا المنصب بتمهيد خارجي اولاً وبرضى داخلي ثانياً، ليكون المرشح المسيحي الاقوى حالياً، ما لم يطرأ ما يمكن ان يزيد من حظوظ لاعبين آخرين، كما حصل مع قائد الجيش السابق جان قهوجي الذي كان على بعد خطوات من الرّئاسة، الى ان أدّت الرياح الاقليميّة والدوليّة الى تغيير وجهة سفينته ودفع شراع سفينة العماد ميشال عون، فأزيلت العقبات واحدة تلو الاخرى واجريت التسويات اللازمة.