بات الخوف من انزلاق لبنان إلى الهاوية أمراً واقعاً لا لبس فيه، في ظل انسداد الأفق أمام أية حلول لمعضلة تأليف الحكومة، وفي ظل الفلتان المدوّي في سعر صرف الدولار، وانفلات أسعار المواد الغذائية وفقدان الليرة 80 بالمئة من قيمتها الشرائية، حيث تؤشر كل المعطيات التي تُرصد يومياً على أرض الواقع إلى أن لبنان يتجه إلى الدخول في مدار الفوضى العارمة، وبات من غير المستبعد انفلات الشارع من عقاله على غرار ما حصل خلال الحرب الأهلية حيث تعرضت المحال التجارية والمؤسسات للنهب على أيدي من يتضور أولادهم جوعاً، ومن لا يملك المال لشراء الدواء أو إدخال أولاده إلى المدارس أو المستشفيات، وقد يُبرر هذا العمل ويُشرعن أمام صرخة الناس الاحتجاجية المشروعة في وجه المسؤولين الذين يقفون عاجزين عن ابتداع أي حل للأزمات المتشعبة، ولا سيما المعيشية منها.
وأي مراقب للمشهد اللبناني الراهن يجزم بأن هذا البلد وصل إلى مرحلة مصارعة الانهيار على المستويات كافة مع فقدان السيطرة على الأزمات المتلاحقة من معيشية وطبية واستشفائية وغيرها، وما يعزز اعتقاد هؤلاء هو عدم رصدهم أية معطيات تفيد بإمكانية الخروج القريب من الوضع الكارثي الذي وصل إليه اللبنانيون بفعل التعاطي العشوائي وغير المدروس للمسؤولين مع الملفات المطروحة حيث غالباً ما كانت تطغى مصالحهم السياسية والمناطقية والمذهبية على أي مصلحة لعامة الناس، ناهيك عن الارتهان الكامل والشامل للخارج.
وما يؤكد بأن مشوار تأليف الحكومة ما زال طويلاً جداً، وأن الوضع الاقتصادي والمعيشي إلى مزيد من الانهيار، هو ذهاب بعض القوى الخارجية المعنية بالملف اللبناني إلى ربط معالجة الأزمة في لبنان مع إيجاد التسوية للمشاكل الموجودة في المنطقة بدءاً من اليمن، مروراً بسوريا، ووصولاً إلى العراق، وقد سمع أكثر من مسؤول لبناني إن عبر القنوات الدبلوماسية أو عن طريق زوار دوليين أن الفرصة لم تعد سانحة لحل الأزمة في لبنان بعدما تشابكت هذه الأزمة، عن قصد أو غير قصد، مع أزمات المنطقة، وهذا الأمر بالتأكيد هو ما أعاق المبادرة الفرنسية وأسقط كل المبادرات الداخلية وأبقى ملف التأليف معلقاً.
لبنان جسم مريض لم يعد يتفاعل مع كل الأدوية التي تُعطى له
إلا أن ثمة من يعتقد من المتابعين لمسار التأليف بأن ربط الملف اللبناني بالكامل بما يجري في المنطقة مبالغ فيه لدرجة وصف المروجين لهذا الاعتقاد بأنهم يبتدعون هذه الخدعة للهروب إلى الأمام أو لتبرير فشلهم في ابتداع الحلول.
ويشدد هؤلاء على أن العالم الخارجي غائب عنّا بالكامل، ولا توجد أي أولوية للملف اللبناني على الأجندة الإقليمية أو الدولية كون أن غالبية البلدان منشغلة بنفسها إما بفعل الأزمات الاقتصادية أو نتيجة التداعيات الخطيرة التي يسببها فيروس كورونا على مختلف الأصعدة.
وفي تقدير المتابعين أن المسؤولين اللبنانيين هم الذين يزجون أنفسهم بالصراعات الخارجية ويربطون استحقاقاتهم الداخلية بالملفات الإقليمية والدولية وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على العجز الكامل لدى هؤلاء في مقاربة الملفات والعمل على حلها، وهو ما يؤكد بأن المسؤولين اللبنانيين ما زالوا قاصرين ولم يبلغوا سن الرشد السياسي لإدارة شؤون بلدهم بأنفسهم ويتكلون كما كانوا دائماً على العوامل الخارجية لتحديد مسار أزماتهم الناجمة عن سوء الإدارة السياسية للشأن العام.
وعندما يُسأل هؤلاء عن الدخول الروسي على خط معالجة الملف اللبناني يسارعون إلى القول بأن موسكو تعمل على تسوية شاملة متكاملة في المنطقة، قد تنجح في ذلك وقد لا تنجح ويرجح التوقع الأخير. أما في ما خص الملف اللبناني فإن ما عجزت عنه فرنسا التي تعد الدولة الأقرب إلى لبنان، وحضر رئيسها مرتين إلى لبنان وطرح مبادرة مكتملة الأوصاف لكل المعضلات التي يعاني منها لبنان، لن تنجح موسكو التي تعاني ما تعانيه نتيجة الصراعات القائمة في الشرق الأوسط في إنجازه، وبالتالي فإن ما يُحكى عن مبادرات أو وساطات لا يعدو كونه تعبئة للوقت لأنه على ما يبدو فإن لبنان ما زال من بين البلدان الموضوعة ملفاتها على رف الانتظار ريثما تنضج التسويات التي تُعد في المطابخ الدولية للمنطقة بكاملها.
وهل هذا يعني أننا سنستمر في مرحلة الانتظار القاتل إلى حين التفاهم الدولي على تسوية ما لأزمات المنطقة؟ يؤكد هؤلاء أنه باستطاعة اللبنانيين إذا ابتعدوا عن النكد السياسي والمصالح الخاصة التفاهم على تأليف حكومة وفرملة الانهيار الموجود بالحد الأدنى، فوزير بالزائد أو وزير بالناقص لا يجوز التوقف عنده أمام الخوف من انهيار الهيكل على رؤوس الجميع، عازياً أسباب الإخفاق على تفاهم حول توليفة حكومية إلى فقدان الثقة داخل الطبقة السياسية، وإلى ذهاب البعض إلى التعامل مع هذا الاستحقاق كقاعدة انطلاق لمقاربة ملفات واستحقاقات قادمة.
ويلفت هؤلاء النظر إلى أن هناك الكثير من المبادرات والحلول طُرحت لكنها لم تبصر النور، مشخصة الوضع اللبناني كجسم مريض لم يعد يتفاعل مع كل الأدوية التي تُعطى له.