كيف لنا أن نفهمَ حياة هذا القديس العظيم المُتوشِّحة بصمت الزُهَّاد؟... فهذا اليوسف البار البتول الذي أعلنه البابا بيوس التاسع منذ مئة وخمسين عامًا شفيعًا للكنيسةِ الكاثوليكيَّة والذي أعلن البابا فرنسيس هذه السَّنة سنته، نُعيِّد له مع كُلِّ إطلالة لفصل الربيع، إذ أنَّه الزنبقة المُتفتِّحة في الكنيسة علامة طُهرٍ وبراءة وهو مِثال الشفاعة النقيَّة والأكثر استجابة من بعد والدة الإله...
لقد خاض القديس يوسف مغامرة فريدة من نوعها تفوق إدراكَ العقلِ البشري.
هو شفيع العائلة المسيحية لكونه المربِّي للطفل الإلهي...
هو حامل رسالة السماء والأرض...
هو رجل الأحداث المتعدِّدة وصاحب المهام السَّماويَّة التي جعلته حارسًا وحاميًا لطفلِ الخلاص وأمِّه...
لقد وجد يوسفُ نفسه أمام سرٍّ عظيم يفوق الطبيعة البشريَّة، وأمام هذا السرّ الغير المُدرَك، قرَّر تَخليةَ مريم خطيبته سرًّا «وما إن فكَّر في ذلك، حتى تراءى له ملاك الرب في الحلم» (لوقا ١٢/٥٥)
وبعدما كشف له الله عن سرِّ حبل مريم قرَّر يوسف أن يستسلمَ لمغامرة الحب هذا فمشى بثبات وبدون رجعة في طريق تحقيق مشروع الخلاص الكائن بيسوع المسيح، والذي انتظرته أجيالٌ ما بعدها أجيال... فيوسف إبن البرارة والصدق تحامل على ضُعفه واعتنق مشيئة الله قوَّةً حتَّى سَكنَ الصَمت فأضحى هذا الصمت كسكون الليل الذي يعدُ بانبلاج الصباح ليزهرَ خلاصًا لأبناءِ الرَّجاء...
لذلك من الصعب أن نفهمَ سرَّ يوسف البار والصديق لأنه يتطلبُ استسلامًا مُطلَقًا وتسليمًا وتفانيًا وصمتًا وامِّحاءً أمام عظمة الخالق... فكي يقبلَ هذا السر، وأن يتجرَّأ ويحملَه، فذلك بفعلِ القوَّة المُنبثقة من الرُّوحِ عينِهِ الذي ظلَّل والدة الإله التي حملت من الرُّوح القدس...
يشكِّل لنا اليوم هذا القدِّيس مثالا في تحمُّل مسؤولية الحياة، فهل نحنُ قادرون على مثاله، الاستسلاَمِ المطلق، للعناية الإلهيَّة لتحمُّل ما تفرضه علينا الحياة من صُعوبات فنحوِّلها بمعيَّة هذا القدِّيس النجَّار إلى سلالم ترفعنا درجة بعد أخرى نحو السَّماء؟...
نأمل أن يكون هذا العيد فسحة رجاء لكلِّ اللبنانين وفرصة للتسليم لمشيئة الإله الذي «يعلم كلّ شيء» ويعلم ما يُناسبنا أكثر منَّا، فنمتثلَ لحبِّه الذي لا ينفكُّ يُنمينا بشفاعة هذا القديس العظيم بتواضعه، خطِّيب مريم وأب يسوع بالتَّبنِّي، مار يوسف البار، شفيع كنيستنا.