تؤكد كلُّ المؤشرات الحالية أنّ الأميركيين لن يتنازلوا عن لبنان. أوحت خطواتهم، وأبرزها شكل ومضمون وتوقيت زيارة قائد "المنطقة الوسطى" الجنرال كينيث ماكنزي، أنهم يريدون تحقيق اهداف ذات أبعاد استراتيجية تتعدى التفاصيل الداخلية السياسية اللبنانية، مع الحفاظ على المؤسسات التي تدور في فلكهم من جهة، ودعم الجيش اللبناني من جهة ثانية، من دون الإلتفات إلى حلفائهم التقليديين في لبنان: تم تمزيق صفحة قوى "14 آذار" بعد فشل الرهان عليها، ثم طي صفحة "حراك 17 تشرين الاول 2019" في الذكرى السنوية لإنطلاقه. مما يعني أنّ واشنطن لا تهتم بعملية تأليف الحكومة، ولا بدعم أو تبني وجهة نظر أي فريق، ولا بالطلب من عواصم عربية تسهيل مهمة التأليف، ولا عرقلة أي تفاهم في هذا السياق.
أمام اللامبالاة الأميركية، وعدم الإكتراث السعودي، وإنشغال السوريين بأزمتهم، يُصبح الحلف الروسي-المصري- السعودي معنيّاً بما يجري في لبنان. سبق وترجم الحلف المذكور عمق ترابطه في ليبيا وسوريا، في ظلّ إتساع مساحات التنسيق العسكري والإقتصادي المتواصل بين دوله، والتعاون مع الصين(يمكن مراجعة حجم التبادل التجاري لعواصم الحلف المذكور مع بكّين).
لماذا يهتم الروس والمصريون والإماراتيون باللبنانيين؟.
تنطلق روسيا من جغرافية لبنان الذي يقع على تماس مع سوريا، حيث سعت موسكو، لعدم سقوط دمشق في أيدي الإرهابيين، ونجحت في مؤازرة الدولة السورية. مما يعني ان الاستقرار مطلوب في لبنان، أولاً لعدم التأثير على المصالح الروسية في سوريا، وثانياً لمنع وجود بيئة ملائمة للإرهابيين. كما ان موسكو تلعب دور الوسيط في مفاوضات غير مباشرة تريدها إسرائيل مع "محور المقاومة" لوضع قواعد اشتباك جديدة في جنوب لبنان وسوريا معاً. ولهذه الغاية إكتسبت زيارة وفد "حزب الله" الى روسيا أهمية سياسية ذات أبعاد إستراتيجية، ستتظهّر نتائجها تدريجياً. علماً أن إيران تدعم الجهود الروسية في الإقليم، خصوصاً بعد التهجم الأميركي على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أمّا مصر، فهي معنيّة بلعب دور عربي إيجابي مطلوب في كل من سوريا ولبنان. إستطاعت القاهرة أن تستعيد جزءاً من وهجها العربي، بعدما نسفت خطاب "الإخوان المسلمين" الذي كان يعبّر عنه رئيسها السابق محمد مرسي في فترة زمنية عابرة. لذا، فإن اللبنانيين، كحال السوريين، توّاقون لأن تلعب مصر دوراً عربياً ريادياً، يتراكم حالياً بهدوء وبعيداً من الضجيج السياسي والصخب الإعلامي.
من جانبها تهتم الإمارات العربية المتحدة بلبنان، كما بدا من خلال زيارات رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري إلى أبوظبي. لكن الإماراتيين الساعين لإبقاء الإستقرار اللبناني قائماً، يحرصون على عدم إظهار أي خطوة تفسّر بأنهم ينحازون إلى جانب فريق ضد آخر. علما ان الإمارات كانت الأكثر واقعية في التعامل مع مستجدات الأزمة السورية، فأعادت فتح سفارتها في دمشق، لتنجح مع القاهرة في التصدي لأي دور "إخواني" محتمل يطل عبر تركيا.
ومن هنا فإنّ المؤازرة الإماراتية والمصرية للبنان تعني أن دولتين عربيتين وازنتين سيجهضان أي مخطط تركي للتدخل في لبنان وملء الفراغ الذي أحدثه غياب السعودية في هذا البلد. سيصفّق اللبنانيون للإمارات شكراً على أي مؤازرة حالية سياسية ومعنوية، أو عبر دعم ممكن بعد تأليف الحكومة: يُعرَف الصديق وقت الضيق. كما ان تخلي الإمارات عن الساحة السنّية تحديداً في لبنان يعني رميها في أحضان الأتراك الساعين للوصول إلى هنا.
لذا، يحتضن المحور الروسي-الإماراتي-المصري لبنان بأداء يتظهّر احياناً بتواضع وخجل. فهل تحمل الأيام المقبلة مزيداً من خطوات المؤازرة للبنانيين؟.
فلننتظر الأيام المقبلة.