ثمة من لم يقتنع بعد في الداخل والخارج، ان اتفاق الطائف بات منتهي الصلاحية، ولم يعد الاطار الدستوري القادر على حكم لبنان وادارة شؤون ابنائه، ورسم حدود الحياة السياسية فيه، والانتقال به من الصيغة المذهبية الضيقة الى رحاب الصيغة الوطنية التي تعيد صوغ مفهوم الولاء للبنان بعيدا من التجاذبات الدولية والاقليمية.
كان واضحا ان الطائف منذ العام ١٩٩٢، وتحديدا مع وصول رفيق الحريري الى سدة رئاسة الحكومة اختطف الى مكان آخر، وطبق على طريقة وفهم احد الاطراف له، وفسر بما لا يتطابق مع محتواه وروحيته، وذلك من خلال الاستغلال الذكي والجشع لضعف المكون المسيحي في فترة الاحتلال السوري، وكم الافواه المنتقدة لهذا التوجه، او شراء ذمم اصحابها بالمال والمناصب. وكان شأن الوزراء المسيحيين او جلهم -بعد الطائف- وخصوصا في عهدي الياس الهراوي وميشال سليمان، كشأن المستشارين المسيحيين في بلاط الخلفاء في العصرين الاموي والعباسي: اي ذميين "بشريطة".
لقد رفع رفيق الحريري "عصا" المناصفة على طريقة: "ترضخون لتفسيرنا للطائف، او العد" وذلك تحت لافتة "وقف العد" مستندا الى مأثرة "هراوية" مدفوعة الثمن في السياسة وغير السياسة تمثلت بتوقيع مرسوم التجنيس في العام ١٩٩٤، والذي وجه ضربة استراتيجية موجعة للتوازن الوطني، وضرب الديموغرافيا اللبنانية في الصميم، وكان المسيحيون الضحية الاولى لئلا نقول الوحيدة لهذا الاجراء الخطير والظالم.
وبطبيعة الحال، فان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي اعاد التذكير "بصدقته الجارية": "اعطيناكم المناصفة... فاعقلوا، ولا تنبسوا ببنت شفة... واقبلوا بما قسمناه لكم"، يعرف ان هذا الامر لا يستقيم مع الرئيس ميشال عون طويلا. وقد تأخر رئيس الجمهورية في اثارة ثغر الطائف لاسباب تتعلق بطموحات التيار الوطني الحر، واحلامه الرئاسية والسلطوية. لكن الامر لم يلبث ان اصطدم بالواقع المر. فقد وصل الطائف "كحصان الشيخ في العقبة". لم يعد تطبيقه ممكنا، واسقاطه دونه عقبات. فما هي الضوابط بالنسبة الى المهل. فرئيس الجمهورية لديه مهلة لتوقيع القوانين، وإلا تصدر تلقائيا من دونه. كما ان اي وزير بامكانه ان يعطل مرسوما اذا امتنع عن توقيعه. في حين ان رئيس الحكومة باستطاعته ان يحمل مرسوم تكليفه في جيبه لأمد غير محدد في الدستور، مما قد يتيح له التحكم باصول اللعبة الديمقراطية من دون حسيب او رقيب، كما هو جار حاليا.
وبصرف النظر هل اذا كانت الظروف الدولية والعربية تسمح للحريري تشكيل حكومته، او انه تعمّد المواجهة مع رئيس الجمهورية وشد العصب السني، وتطويق طموحات جبران باسيل المستقبلية، فان ثمة امرا ثابتا ان الطائف اصبح عبئا على لبنان، ومن الواجب الاتفاق على معالجة ثغره على البارد بالحوار . فهذا الاتفاق بات عليلا ويحتاج الى عملية جراحية. فهل ثمة من يقتنع ويبدأ، قبل ان يموت ويصبح لبنان امام خيارين احلاهما شديد المرارة: المؤتمر التاسيسي او الكانتونات.
ان عليه ان يختار بين الجراحة والمناحة.