لم تكن توجيهات الرئيس السوري بشار الأسد لتأمين الاوكسيجين للمستشفيات اللبنانية هي الخطوة الأولى التي تقوم بها دمشق لمؤازرة لبنان. سبق وأن قدّم السوريون دعماً للبنانيين في كل أزماتهم. هي دمشق، لا تستطيع أن تخرج من معادلة الجغرافيا، ولا التخلّي عن دروس التاريخ التي رسّخها في السوريين رئيسهم الراحل حافظ الأسد.
قد يختلف لبنانيون أو عراقيون أو سوريون أو فلسطينيون أو خليجيون في مقاربتهم للسياسة السورية. هذا حقهم. لكنهم يُجمعون على أنّ الأسديْن(الرئيس الراحل والرئيس الحالي) وقفا معهم أيام النكبات التي أصابت كل دولة عربية. اذا وضعنا الأدوار السياسية والمواقف السورية المنحازة لمصالح الدول العربية جانباً، وفتحنا صفحات المؤازرات السورية الانسانية لا غير، ألم تضخ سوريا مرات عدّة مياه الشرب إلى الأردن لمساعدته على مواجهة أزمته المائية؟ فلنستحضر عام 2002 على الأقل، يوم سارع الأسد إلى إعطاء أوامره لضخ المياه بإتجاه وادي اليرموك وصولاً إلى قناة الملك عبد الله، ثم إلى منطقة عمّان الكبرى التي كانت تعاني من القحط حينها.
فلنطو ورقة الجدل اللبناني العقيم حول الوجود العسكري السوري في لبنان، ولنتحدث عن صفحات أخرى: ألم تزوّد سوريا لبنان بالكهرباء، لقاء سعر الكلفة؟ يعرف اللبنانيون في البقاع والشمال تحديداً ماهية المؤازرة السورية لهم في زمن الحرب والحصار: كانت محطة تموز 2006 أبرز شهادة للتاريخ.
لكن أن تساعد سوريا لبنان بعد عشر سنوات من الحرب المتواصلة عليها، بتقديم مادة اوكسجين التي هي حاجة سورية ايضاً في زمن جائحة كورونا، فهي مسألة تستحق الشكر لدمشق والتقدير للدور السوري.
تبيّن أن الأسد لم يغادرنا، بعد كل السهام التي صوّبت عبر لبنان بإتجاه الجمهورية العربية السورية. لم يتأخر في تلبية نداء إنساني عاجل حمله سفير سوريا في لبنان علي عبدالكريم علي الى قيادته وحكومته، أدى الى توجه وزير الصحة اللبناني حمد حسن الى دمشق لإستلام قرار الرئيس السوري بتزويد لبنان فوراً بعشرات عشرات الأطنان من الأوكسجين.
لم تغادرنا سوريا الأسد، ولم تتركنا وحدنا، بدليل سرعة تصرف سفيرها في بيروت، الذي يُترجم دوماً بإسم قيادته وقوف بلاده إلى جانب اللبنانيين، في وقت تصرّ فيه قوى لبنانية على المكابرة وعدم الإعتراف بدور سوري إنساني وأمني يحمي لبنان. بينما تتصرف الدول العربية والإقليمية بواقعية تقود حالياً تركيا إلى الموافقة على فتح معابر شمال الأراضي السورية، حيث تسيطر المجموعات المسلحة التي تأتمر بالقرار التركي. وتحدثت معلومات غير رسمية عن زيارة قام بها مسؤول تركي أمني رفيع المستوى إلى دمشق للتمهيد إلى إمكانية فتح صفحة جديدة يحتضنها الروس. بينما بدأ العرب بمد أيديهم للسوريين، بدءاً من مؤشرات زيارة وفد الخارجية السورية الى سلطنة عُمان، وصولاً الى الحديث عن عودة سوريا الى جامعة الدول العربية وحضورها قمة الجزائر المرتقبة. سيكون القرار في دمشق: ماذا سيقرر الأسد إزاء تلك المحطّات؟.
أمام المتغيرات الإقليمية التي ستريح سوريا تدريجياً، يحاول لبنانيون أن يتنكّروا للتاريخ، والجغرافيا، وهم يصرّون الآن على إنكار واقع لبناني صعب، بمحاولة قفزهم عن الحاجة للتعاون مع دمشق.
فالإعتراف يبدأ من أن الحاجة اللبنانية الى سوريا ستزداد يوماً بعد يوم، إقتصادياً وأمنياً وسياسياً. ومن هنا تحتّم الضرورة المطالبة بفتح الحدود بين البلدين، وتجاوز عنوان "كورونا" بفرض إجراءات وخطوات مُعتمدة بين كل الدول.
واذا كانت العقوبات و"قانون قيصر" يضغطون على الشام لخنق السوريين وفرض إستسلامهم، فإن التأثير اللبناني والسوري مُتبادل إقتصادياً: تراجع قيمة العملة اللبنانية أدى لتراجع قيمة العملة السورية، بعد فقدان المودعين السوريين ايضاً لأموال ضخمة في المصارف اللبنانية. هناك ارتباط وثيق بين البلدين، هو أكبر من أي قرار سياسي داخلي. لكن مشروع إعادة مناطق سورية غنية بالزراعة والنفط والغاز الى حضن الدولة، شمالاً وشرقاً، سيساهم في إعادة الإقتصاد السوري التقاط أنفاسه تدريجياً، بمؤازرة روسية، فأين نحن في لبنان؟.