تكرر المشهد للمرة الرابعة في انتخابات «الكنيست» الـ24، بفشل أي من الكتل الرئيسية في الكيان الإسرائيلي حسم النتيجة لصالحه، بتأمين 61 صوتاً من أصل 120 نائباً ما يُخوله تشكيل الحكومة.
هذا يعني تمديد فترة الجمود السياسي المُستمر داخل الكيان الإسرائيلي مُنذ عامين، للمرة الأولى مُنذ إنشائه، جراء الخلافات بين الكتل والأحزاب.
يتمحور الخلاف حول شخصية رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، المُتصدر للمشهد السياسي في أطول فترة لرئيس وزراء في تاريخ الكيان الإسرائيلي، التي تجاوزت مُدة بقاء المُؤسس الأول للكيان دافيد بن غوريون في منصب رئيس الوزراء (13 عاماً).
يُدرك نتنياهو أن خصومه يتربصون به، ويعملون على الإطاحة به، وزجه بالسجن بملفات: الرشوة، الاحتيال وخيانة الأمانة، التي تتراوح مُدة العقوبات فيها في حال الإدانة بين 3-10 سنوات.
فقد جاءت النتائج الأولية - غير الرسمية للانتخابات - وفق الآتي: «الليكود» برئاسة بنيامين نتنياهو 30 مقعداً، «يش عتيد» برئاسة يائير لبيد 18 مقعداً، «شاس» برئاسة أرييه درعي 9 مقاعد، «أزرق أبيض» برئاسة بيني غانتس 8 مقاعد، «يهدوت هتوراه» برئاسة موشيه غافني 7 مقاعد، «يميننا» برئاسة نفتالي بينيت 7 مقاعد، «العمل» برئاسة ميراف ميخائيلي 7 مقاعد، «أمل جديد» برئاسة جدعون ساعر 6 مقاعد، «القائمة العربية المُشتركة» برئاسة أيمن عودة 6 مقاعد، «إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان 6 مقاعد، «الصهيونية الدينية» و«الفاشية» برئاسة بتسلئيل سموتريت وايتمار بن غفير 6 مقاعد، «ميرتس» برئاسة نيتسان هوروفيتس 5 مقاعد و«القائمة العربية المُوحدة» (الجبهة الإسلامية) برئاسة منصور عباس 5 مقاعد. في ضوء ما أفرزته النتائج، فإن المُعسكر الذي يدعم نتنياهو حصل على 52 مقعداً: «الليكود» 30 مقعداً، «شاس» 9 مقاعد، «يهدوت هتوراه» 7 مقاعد و«الصهيونية الدينية» 6 مقاعد.
فيما حصل التكتل الذي يُعارض نتنياهو على 50 مقعداً: «يش عتيد» 18 مقعداً، «أزرق أبيض» 8 مقاعد، «العمل» 7 مقاعد، «أمل جديد» 6 مقاعد، «إسرائيل بيتنا» 6 مقاعد و«ميرتس» 5 مقاعد.
تبقى 3 كتل تتمثل بـ18 مقعداً، لا يُمكن أن تنضم بشكل طبيعي إلى أي من المُعسكرين، وهي: «يميننا» 7 مقاعد، «القائمة العربية المُشتركة» 6 مقاعد و«القائمة العربية المُوحدة» (الجبهة الإسلامية) 5 مقاعد، والتصويت إلى أي من المُعسكرين يُعزز من فرصها بتشكيل الحكومة. يُحاول نتنياهو استثمار أن «الليكود» حل أولاً وبفارق 30% عن الكتلة الثانية، لكنه يُدرك إنه خسر 6 مقاعد عن التمثيل الحالي.
سينطلق باتصالاته بمُحاولة نيل تأييد بينيت بالتصويت لصالحه، وهو مُتيقن أن ذلك سيكون مُكلفاً له، فالأخير لن يُوافق على ذلك بسهولة، بعدما أمعن نتنياهو شرخاً داخل «يميننا»، بانشقاق «الصهيونية اليهودية» عنه برئاسة بتسلئيل سموتريت.
فالسقف الذي سيُطالب به بينيت مُرتفع، ويصل إلى حد التناوب برئاسة الحكومة، وإذا ما تمكن نتنياهو من إرضائه بصيغة أخرى، عندها سيحصل على 59 صوتاً، فيبقى بحاجة إلى صوتين من أحزاب خصومه، حيث ستكون مُراهنته على حزب «أمل جديد»،
الذي مُني رئيسه ساعر، بخسارة كبيرة، بنيله 6 مقاعد، بعدما كانت استطلاعات الرأي قد منحته، عند تأسيس الحزب 20 مقعداً، بأن يستميل عدداً من النواب الذين انشقوا عن «الليكود» للعودة إليه.
أو اغراء عدد من نواب «أزرق أبيض» برئاسة غانتس للانضمام إليه. أو مُحاولة استمالة صديقه رئيس «القائمة المُوحدة» منصور عباس مع مقاعده الـ5 ليتمكن من تشكيل حكومة، وفق شروط تكتل عربي، وهو ما لا يُمكن أن يُوافقه عليه بينيت.
فيما لبيد، الذي حل حزبه ثانياً، بحاجة إلى الأصوات الـ6 التي نالتها «القائمة العربية المُشتركة» برئاسة أيمن عودة، والقائمة التي يترأسها عباس مع الأصوات الـ5، ليتمكن من الحصول على 61 صوتاً، إذا ما استمر بينيت برفض المُشاركة بحكومة يرأسها لبيد.
وقد أطلق لبيد مُشاورات لتشكيل الحكومة مع عباس، وبإمكانه التحالف مع ساعر.
أما «القائمة العربية المُشتركة» التي فازت بـ6 مقاعد، فقد أصيبت بتداعيات انشقاق «القائمة العربية المُوحدة» (الجبهة الإسلامية) برئاسة عباس التي حصلت على 5 مقاعد، بعدما كانت استطلاعات الرأي تشير إلى مخاطر عدم التمكن من تجاوز نسبة الحسم.
وأعلن عباس «إن مَن يُريد منع انتخابات خامسة، يجب أن يتواصل معنا، لسنا في جيب أحد، نحن مُستعدون للتواصل مع الجانبين، ومع أي شخص مُهتم بتشكيل حكومة ويعتبر نفسه رئيس وزراء في المُستقبل - إذا جاء عرض فسنجلس ونتحدث».
لكن أي حكومة يُمكن أن تُشكل يبقى مصيرها هشاً في ظل تحكم أي كتلة بمصيرها.
فقد صوت في الانتخابات 4.420.677 مُقترعاً من أصل 6.578.084 ناخباً - أي ما نسبته 67.2%، وهو ما يُشير إلى تراجع عما شهدته الانتخابات الثلاثة السابقة:
- «الكنيست» الـ21، بتاريخ 20 نيسان/إبريل 2019، بلغت نسبة الاقتراع فيها 68.50%.
- «الكنيست» الـ22 التي جرت بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2019، بلغت نسبة الاقتراع فيها 69.83%.
- «الكنيست» الـ23 بتاريخ 2 آذار/مارس 2020، بلغت نسبة الاقتراع فيها 71.47%.
مرد هذا التراجع إلى عدم حماس الناخبين لأسباب عدة:
- الاستياء من تكرار تجربة الانتخابات للمرة الرابعة خلال عامين، وإسراع «الكنيست» 4 مرات إلى حل نفسها.
- إن الاستطلاعات أعطت نتنياهو الأفضلية لتشكيل الحكومة بما نسبته 40% - أي أن هناك 60% لا يُؤيدون تشكيله لها، نظراً إلى الملفات المُتعددة التي يُواجهها، وشخصيته، وسوء إدارته للحكم.
- أن نتنياهو سيكون مُضطراً إلى المُثول أمام المحكمة بمُعدل 3 مرات أسبوعياً، اعتباراً من يوم الاثنين في 5 نيسان/إبريل المُقبل، هذا فضلاً عما ينتظره في «المحكمة الجنائية الدولية» في لاهاي بعد فتح المُدعية العامة فاتو بنسودا تحقيقاً بجرائم حرب ارتكبها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المُحتلة.
- عدم وجود شخصية إسرائيلية تُقنع الناخب، بإمكانية مُنافسة نتنياهو على رئاسة الحكومة، ولعل تكتل «أزرق أبيض» برئاسة بيني غانتس، الذي كان مُؤهلاً لذلك في الانتخابات الماضية، ضيّع الفرصة، بعدما استطاع نتنياهو سلخه عن حلفائه، وفي طليعتهم لبيد.
- إن «اليمين» فاز بنحو 80 مقعداً، لكنه منُقسم في ما بينه، وأكثر رؤساء الكتل يعتقدون بأهليتهم لتشكيل الحكومة.
- إن «اليسار» و«يسار الوسط» والفلسطينيين غير مُؤثرين بما يُمكنهم تشكيل حكومة في ظل سيطرة اليمين المُتطرف و«الحرديم» وغلاة المُستوطنين.
لقد بات واضحاً أن الاحتمالات هي التوجه إلى انتخابات خامسة، خاصة في ظل تأكيد رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، أنه بعد تسلمه نتائج الانتخابات رسمياً الأربعاء المُقبل، بعدما تكون عملية فرز جميع المُغلفات، بما فيها النسخ المُكررة، قد انتهت يوم غد (الجمعة)، لن يدعو إلى حكومة وحدة وطنية.
لذلك، تُطرح «سيناريوهات» مُتعددة، ليس ببعيد أن يكون أحدها مُغامرة نتنياهو بحرب على إحدى الجبهات، للهروب من مآزقه المُتعددة؟!