أكّد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، في حديث لـ"النشرة"، أنّ سوريا لم تكن غير متجاوبة في أي مرّة في التعاطي مع الأخوة في لبنان، بل كانت ولازالت تتعاطى مع الشعب اللبناني بأنه يعنيها كثيراً، لافتاً إلى أنّ العائلات واحدة في البلدين والأمن يقتضي التّكامل، قائلاً: "راحة سوريا من راحة لبنان والعكس كذلك، لأنّ البلدين يتنفسان من فضاء واحد، وإسرائيل تهدّدهما وترغب في تفكيكهما كي تستطيع تنفيذ مشاريع أكثر".
وأوضح السفير علي أنّه بما يخصّ الوضع الصّحي في لبنان من جراء تفشي فيروس كورونا المستجد، وتجاوب الرئيس السوري بشار الأسد من خلال تقديمه 75 طنّا من الأوكسيجين للشعب اللبناني، فإنّه رغم الحصار الجائر الّذي أصاب لبنان كما أصاب سوريا، نظراً إلى عقوبات قانون قيصر التي شملت اللبنانيين كما السوريين بسبب التكامل بين البلدين، والوضع الخانق على سوريا على كافة المجالات، فقد تمّت المبادرة عندما وصل الأمر إلى تهديد آلاف المرضى من اللبنانيين، وذلك بعد التّواصل الّذي حصل من قبل الحكومة اللبنانية عبر وزيري الصحة العامة والشؤون الإجتماعية في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن ورمزي مشرفية.
وأشار السّفير علي إلى أنّ التّواصل معه تمّ في مساء اليوم الّذي سبق زيارة حسن إلى سوريا، مؤكّداً أنّه في اليوم الّذي وصل فيه الأمر إلى الرّئيس الأسد وجّه بتلبية الطّلب، بعد دراسة أنّ ذلك لا يؤثر على حاجة المستشفيات السّورية، مؤكّداً أنّ هذا الأمر حصل خلال معارك نهر البارد وفي مجالات أخرى سابقاً، قائلاً: "لا منّة من أحد على الآخر والتّكامل مصلحة للبلدين والشّعبين".
أما بالنسبة إلى بعض الأصوات اللّبنانية الّتي انتقدت المبادرة، لفت السفير السوري في لبنان إلى أنّ هذا الأمر يحصل في جميع دول العالم، لكن هذه الأصوات، بالمقارنة مع نسبة الّذين تركت هذه المبادرة راحة لديهم والشعور بالإمتنان، تصبح نافرة وقليلة ولا يجب التّوقف عندها، معتبراً أنّها أصوات منفردة ولا تمثّل النّسبة الّتي تستدعي القلق.
حريصون على العلاقة...
وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت هذه المبادرة من الممكن أن تكون الخطوة الأولى نحو إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، أوضح علي أنّ "هذا السّؤال يجب أن يوجّه إلى الأشقاء في لبنان لأنّ القيادة السورية والشعب السوري والمنظّمات السّورية لم تكن سلبيّة في هذا الأمر أبداً، وحتى عندما يخطئ البعض نرى ضرورة المراجعة بمنطق الإصلاح وليس بمنطق الإنتقام"، مشيراً إلى أنّ الواقع الإقتصاديّ اللبنانيّ يفرض على البلدين أن ينسّقا وأن يتكاملا، لافتاً إلى وجود مؤثرات وقوى سياسية في لبنان لا تشعر بالإمتنان تجاه أيّ تقارب مع دمشق، لكنّ هؤلاء لا يقيمون الإعتبار الصّحيح لمنطق الأمور، مشيراً إلى أنّ "حدود لبنان مقفلة مع فلسطين والبحر هو حدوده بينما الباقي كلّه حدود مع سوريا، وبالتّالي أيّ مكابرة تكون في عكس منطق الأمور".
وشدّد السّفير علي على حرص سوريا على العلاقة الأخويّة مع لبنان، لافتاً إلى أنّ الإقتصاد اللّبناني، إذا تكامل مع سوريا، يفيدها ويستفيد هو ربما أكثر، وحتّى العقوبات الّتي فرضت بسبب العقوبات الإرهابيّة على سوريا تصبح أضعف في حال التّكامل بين البلدين، مذكّراً بأنّ الإرهاب الّذي ضرب سوريا هو نفسه الّذي ضرب لبنان، والإنتصار كان بالتّكامل بين الجيشين والمقاومة، معتبراً أنّ أي كلام غير ذلك يكون في خارج السّياق، قائلاً: "حتّى الأمس القريب كان ابن بعلبك الهرمل وعكار يعتمد على السوق السورية والمدرسة السّورية وعلى الصّيدليّة السّوريّة".
ولفت السّفير علي إلى أنّ معالجة موضوع التّهريب تقتضي التّنسيق بين الجانبين وليس الإتّهامات غير المسؤولة الّتي تلقى جزافاً أحياناً، مؤكداً أنّ لسوريا مصلحة وللبنان أيضاً بإحترام كلاهما الآخر والتّهريب يمكن ضبطه، مشيراً إلى أنّه في أغلب الأحيان سوريا خاسرة وتستنزف بالتّهريب أكثر لأنّها البلد الأكبر والمنتج زراعيّاً ودوائيّاً، مشدّداً على أنّ البادرة الّتي قام بها الرّئيس الأسد يجب أن تتكرّر كلّ يوم بين البلدين، فسوريا جادّة ومرحّبة ومتفائلة بأنّ النّتائج ستكون أكبر لصالح التّعاون بين البلدين.
ملف النازحين ضاغط وفوق طاقة لبنان
بالإنتقال إلى ملفّ النازحين السوريين في لبنان، أكد السفير السوري أنّ هذا الملفّ ضاغط وفوق طاقة لبنان، لكنّ سوريا لم تدّخر جهداً في هذا المجال، من مراسيم العفو إلى التّعليمات الّتي صدرت إلى كلّ المراكز الحدودية والأجهزة والوزارات لتقديم كلّ التّطمينات والتّسهيلات، مشيراً إلى أنّ إستطلاعات الرأي الّتي لدى الأمم المتحدة، رغم التّشويه الّذي تقوم به وسائل الإعلام والمنظّمات السّياسيّة لمنع السّوريين من العودة لحسابات تخصّ الجهات الّتي تقودهم، تقول أنّ نسبة 89% من السّوريين يريدون العودة إلى وطنهم، ما يعني أنّ التّنسيق بين البلدين وبين المنظّمات فيهما يسمح بتسهيل وتسريع العودة، لا سيما أنّ أكثر من 90% من الأراضي السورية تحت سيطرة الدّولة.
وأشار السّفير علي إلى أنّه إذا تمّ إقناع منظمات الأمم المتحدة بتقديم المساعدات للنّازحين، على تواضعها، إذا ما عادوا إلى سوريا، فإن قوّتها تصبح أضعافا، ويصبح الجميع أو الغالبيّة راغبة في العودة، لأنّ هناك لديه منزله، ولو كان مدمّراً بنسبة ما تستطيع الدّولة أن تساعده في إعادة ترميمه، وأيضاً المدرسة الّتي يمكن أن يلجأ إليها أبناؤه والمستوصف الّذي يمكن أن يقدّم الدّواء، مؤكّداً أنّ سوريا لا تزال تقدّم الطّبابة والتّعليم، ولو بنسبة أقلّ تكاملاً، رغم كلّ الظّروف الّتي تمرّ بها.
وشدّد السّفير علي على أنّ كلّ السّوريّين في جميع أماكن اللّجوء افتقدوا أمناً وكرامة وعيشاً كريماً لن يجدوه في مكان آخر، لافتاً إلى أنّ الجميع يعلم أنّه في بداية الحرب على سوريا لم يكن هناك من جائع واحد، قائلاً: "كان هناك أشياء تحتاج إلى تطوير والبعض كان يشعر بالغبن تجاه أمور معيّنة، لكن في كلّ قرية في سوريا كان هناك طبابة وتعليم وكهرباء وحياة ولم يكن هناك جوع إطلاقاً، لكن بسبب هذه الحرب المركّبة أوصلوها إلى حال من الحصار، لكن رغم ذلك صمدت، وغالبيّة السوريّين يرون أنّ تضليلاً لحق بهم وغرّر ببعضهم حين غادر، أمّا اليوم فهناك رغبة كبيرة وواسعة بالعودة إلى سوريا وبنائها بمساعدة أصدقاء ومحبّين وحلفاء دمشق".
العالم يعاد تشكيله ونحن في رصيف الرابحين
أمّا بالنّسبة إلى المعلومات والتّسريبات عن الإنفتاح الأكبر نحو سوريا في المرحلة المقبلة، أوضح السفير السوري أن ليس لديه معلومات دقيقة حول هذا الموضوع، إلّا أنّه شدّد على أنّ ما يعرفه أنّ الرّهان الأميركي والغربي على تفكيك سوريا سقط، وأيضاً الرّهان على الإستثمار في الإرهاب وصل إلى جدار مقفل، وبالتّالي كلّ الّذين راهنوا هم من المضطرّين لإعادة النّظر، وهذا الأمر في مصلحة من صمد وانتصر.
وشدّد على أنّ "العالم كلّه على مفترق ويعاد تشكيله ونحن في رصيف الرّابحين"، مؤكّداً أنّ سوريا ترحّب بكلّ المبادرات، لأنّها لا تريد قتل النّاطور بل تريد أكل العنب والأمان لشعبها ونهضتها، وترحّب كذلك بالمراجعات من الأصدقاء والأشقّاء، وهذا قائم، ونحن حريصون على العلاقات العربية، وندرك أنّ لسوريا في وجدان أشقّائها مكانة كبيرة يجب أن تستثمر من جديد لصالح الجميع، مضيفاً: "صمود سوريا والرّئيس الأسد وبنية الجيش السّوري رصيده بات أكبر، لأنّ الإنتصار على الإرهاب فيه مصلحة للعالم حتّى ولو كابر البعض".