تأخر يسوع ليأتي لزيارة وشفاء صديقه لعازار وكان عتب الاختين مريم ومرتا كبيرا لفقدهما اخيهما الوحيد لعازار: لو كنت هنا لما مات أخي. هكذا عاتبتا يسوع.
لو كنت هنا
واسمح ان اعاتبك واقول، لو كنت هنا، لما تفجرت بيروت وتهدمت واستشهد المئات من أهلها. لو كنت هنا، لما اجتاحتنا جائحة كورونا وقتلت من قتلت من احبائنا. لو كنت هنا، لما متنا من الجوع والفقر والمرض واليأس. لو كنت هنا، لما ارتفع الدولار بهذه الطريقة الجنونية واخذت المصارف ودائعنا وجنى عمرنا. وانهارت الليرة وانهارت منها قيمة مرتباتنا الشهرية. لو كنت هنا، لما هاجر شبابنا وصبايانا تاركين لبنان للنازحين واللاجئين والغرباء وكبار السن والعجزة.
لو كنت هنا، لما نزل لبنان الى هذا الانحدار الصاعق الى جهنّم والجحيم، فبحث اهله عن حبة قمح في بقايا اوساخ المزابل ليسدّوا بها رمق جوعهم.
لو كنت هنا، لما تحول لبنان الجمال والاخضرار الى لبنان التلوث والفساد والسرقة والنهب والكذب والموت بدل الحياة والصحة والفرح.
لو كنت هنا، لما تحولت مائدتنا الشهية "المازة" والغنية بالاصناف المتنوعة المآكل الى لقمة خبز "حاف" يابسة دون نقطة زيت أو حبّة زيتون أو القليل من الزعتر.
لو كنت هنا، لما انقطعت الكهرباء واكلتنا العتمة، ولما انقطعت المياه وشربنا من البرك والانهار والينابيع الملوثة والموبوءة.
لو كنت هنا، لما فرع طبق عيشنا من المآكل الشهية والمتنوعة، ولم نعد نأكل حتى الشبع، بل تبقى امعاؤنا خاوية ومعدتنا فارغة الا من الهواء.
لو كنت هنا، لذهب اولادنا الى المدارس وسمعنا فرح صراخهم والعابهم ولحملوا كتبهم ودفاترهم ولونوها بالفرح والحياة والبهجة والسلام.
لو كنت هنا، لما اغلقت كنائسنا ابوابها ولم تعد ترفع فيها الصلوات وتقدّم القرابين وتعبق رائحة البخور.
لو كنت هنا، لما ابتعدنا عن بعضنا خوفا من ان تضربنا الكورونا ونهلك ونموت، ولما سلمنا على بعضنا دون قبلة او ضمة الى القلب. حتى امواتنا لوكنت هنا، لما تركناهم يرحلون عنا لوحدهم دون وداع وبكاء وعويل الى المقابر.
لو كنت هنا، لما امتلأت اسرة مستشفياتنا من مرضى الكورونا، ولما ماتوا على ابوابها.
لو كنت هنا، لما مات اطباؤنا وممرضونا وممرضاتنا من فيروس كورونا ويضحون من اجل الاعتناء بنا والسهر على راحتنا.
لو كنت هنا، لما تحول لبنان هيكلا للصوص والفاسدين، بل لكنت حملت سوطاً وطردتهم من هيكل الوطن، وقلبت مائدة الصيرفة على رؤوسهم، ورفعت المجلدة وجلدت جميع باعة الاوطان وحطمت كراسيهم على رؤوسهم.
لو كنت هنا، لما حولوا لبنان الى مزبلة الشرق بعد أن كان سويسرا الشرق. مستشفاه جامعته، مدرسته، مائدته، ثقافته، علمه على كل شيء فيه حولوه الى مزبلة العالم. بيروت كانت ستّ الدنيا والحريّة وحوّلوها الى مزبلة العبودية والتبعيّة.
انت هنا وانا لست معك
لكن يا سيد، اغفر لي هذه الثورة، انت كنت هنا وكنت معنا، أما نحن فلم نكن معك، نحن كنا مع شهواتنا ومصالحنا، شهوة المال، شهوة السلطة، شهوة الجسد، فقتلنا نحن بايدينا وطننا لبنان، وذبحناه بفسادنا وعبثية نزاعاتنا واحقادنا ونكاياتنا. فاغفر لنا يا رب، لاننا لم نعرف نحن ماذا فعلنا بانفسنا وبوطننا لبنان فاصرخ بنا كما صرخت بِأَلِعازار: لعازار قم واخرج خارجا من قبرك. فيقوم لبنان خارجا من قبره وحرا من أكفانه، التي هي مصالحنا، والتي بها دفنا وطننا لبنان، ولا نقل ابدا لو كنت هنا، لانك أنت دوما هنا معنا، لكن وجب علينا أن نكون معك وليس مع شهواتنا ومصالحنا، لا تتأخر علينا يا يسوع اسرع تعال، واشفنا من أمراضنا وبلايانا.