لا يبدو ظاهراً أن ثمة مستجدات في ملف تأليف الحكومة بعد الإشتباك السياسي-الدستوري بين فريقي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري. لكن ذلك لا يعني أن صفحة التأليف الحكومي طُويت. هناك محاولات صامتة تجري لإعادة إستنهاض عملية التأليف وفق صيغ جديدة: لمجرد الإعلان عن ورقة رئاسة الجمهورية التي أُرسلت الى بيت الوسط لملء الأسماء، ثم خطوة رئيس الحكومة المكلّف بالكشف عن تشكيلته الحكومية التي كان يحتفظ بها بالدُرج منذ الأسابيع الأولى لعملية التأليف، يعني أن مفعول ورقتي عون والحريري إنتهى، ولا بدّ من الإنطلاق من مقاربات مختلفة، قد تصل إلى حدّ تسويق فكرة تركيبة حكومية تكنوسياسية.
وإذا كانت سُجّلت محاولات ووساطات في الداخل، لكنها لم تُثمر حتى الآن في إعادة تقريب وجهات النظر بين بعبدا وبيت الوسط، بسبب عدم التعاطي الإيجابي مع المبادرات التسووية التي طُرحت سابقاً، وكانت أبرزها مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، التي بقيت في مكان ولادتها.
لكن الأنظار رصدت في الأيام القليلة والساعات الماضية مؤشرات يمكن أن تُساهم بكسر الجليد: أولاً، التواصل القائم بين الحريري و"الثنائي الشيعي". ثانياً، زيارة نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي للحريري. ثالثاً، تناول "الشيخ سعد" الطعام على مائدة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حيث كان الملف الحكومي هو الطبق الرئيسي على طاولة بكركي. رابعاً، حركة السفراء العرب والأجانب على خط التأليف الحكومي.
يُمكن الجزم تحديداً أن السفراء لم تكن لديهم أي نيّة بالتحرك، لكن دعوة رئيس الجمهورية لهم لإطلاعهم على ما حصل في الأيام الماضية، هي التي أدّت لأن يقوم السفراء المدعوين بجولة سياسية إستطلاعية حملت تمنيات بوجوب تأليف حكومة لبنانية من دون تأخير. كان السفراء يستفسرون ويعبّرون عن رغبات بلادهم بإستيلاد حكومة لبنانية تضع حدّاً للإنهيار في البلد. ولوحظ أن المصطلحات والتعابير التي يستخدمها السفراء في جولتهم تُشبه بعضها، بالحرص على لبنان، وإبداء رغبة عواصمهم بالوصول الى مخارج لبنانية من دون أي تأخير. حاول السفراء أن يُظهروا عدم تدخل في شؤون لبنان، وفُهم أنه لا يعنيهم إن كانت الحكومة تكنوقراط أو تكنوسياسية، لأن الهدف هو ولادة حكومة وعدم ترك لبنان في فراغ.
وبحسب المعلومات أن سفراء إستفسروا عن قدرة لبنان على المضي من دون حكومة: هل يمكن قيام حكومة عسكرية؟ كما طرحوا أسئلة عدّة لا توحي بأن هناك قراراً دولياً بإجبار اللبنانيين على الوصول إلى إتفاق فيما بينهم.
تؤكد تلك الفرضية أن العالم مشغول بأزماته، ولا يعنيه تفاصيل لبنان السياسية والإقتصادية، لكن ما يهمه فقط هو إستمرار إنضباط الوضع الأمني.
وإزاء تمدّد حالة اللامسؤولية اللبنانية على خطي: عدم تأليف حكومة وفشل حكومة تصريف الأعمال في حمل الأثقال، يقوم المجلس الأعلى للدفاع بأدوار تحمل علامات استفهام، مما سيزيد من حجم الخلاف بين المكونات تحت عنوان الصلاحيات أيضاً. يعني ذلك ان البلد ينتقل من إشتباك الى اشتباك في ظل عدم وجود قواعد تحكمه.