لا شكّ إن الاعلان عن توقيع الاتفاق بين كل من الصين وإيران يبدو علامة فارقة في تطور العلاقات الدولية في منطقة الخليج، خاصة في ظل تصاعد الحديث الأميركي عن ضرورة مواجهة الصين واحتواء نفوذها في العالم.
ولقد وقّعت إيران والصين اتفاقية إطار استراتيجي مدتها 25 عامًا، تتضمن "خارطة طريق متكامل" ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وعسكرية وتنموية وفي شؤون مكافحة الارهاب، ما يعطي الصين موطئ قدم في راسخة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل تضمين الاتفاق مبادرات استثمارية تمتد الى العراق وسوريا.
ويأتي توقيع الاتفاقية متأخراً جداً، إذ أن الحديث عن تلك الاتفاقية كان قد تمّ في مطلع عام 2016، خلال زيارة الرئيس الصيني تشي جين بينغ الى طهران، والذي كان أول رئيس دولة يزور إيران بعد رفع العقوبات الدولية عنها. ولقد أعلن الرئيس الايراني حسن روحاني حينها عن نيّة الطرفين توقيع اتفاقية استراتيجية مدتها 25 عاماً، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين الى 600 مليار دولار خلال عشرة أعوام.
وهكذا، وبعد خمس سنوات على زيارة الرئيس الصيني، يأتي توقيع الاتفاقية المتأخر ليعطي المؤشرات التالية:
1- تريث الايرانيون في السير بمشروع الاتفاقية مع الصين خلال عام 2016، وذلك لإعتقادهم بأن من مصلحتهم إبقاء الباب مفتوحاً أمام الشركات الأوروبية للإستثمار في السوق الايراني ولعدم الدخول في توتر مع الأميركيين المستائين من الصعود الصيني العالمي.
ولكن العقوبات التي أعاد ترامب فرضها على الايرانيين، وعدم قدرة (أو عدم رغبة) الاوروبيين على مواجهتها، وظهورهم بمظهر العاجز أمام هجومية ترامب ومحاولاته إخضاع الايرانيين وإنهاء الاتفاق النووي، أخرج من يد الايرانيين الذين بدا أن رهانهم على أولوية الاستثمار الاوروبي وأفضليته على الصيني قد خاب بشدة.
وهكذا، أتى توقيع الاتفاق المتأخر في وقت يعاني الاقتصاد الإيراني من أزمات حادّة نتيجة سياسة "الضغوط القصوى" التي مارستها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالإضافة الى سلسلة من الكوارث الطبيعية التي ضربت إيران، وجائحة كورونا التي أدّت الى تعميق تلك الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
2- يدرك الايرانيون أن مجيء بايدن الى البيت الابيض وانفتاحه على العودة الى الاتفاق النووي، يرتبط بأمرين: الضغوط الداخلية على الادارة الأميركية الحالية من قبل الكونغرس والجمهوريين وجماعات الضغط المؤيدة لاسرائيل من جهة أولى، وبقاء الديمقراطيين أكثرية في الكونغرس بعد الانتخابات النصفية عام 2022، ونجاح مرشحهم للرئاسة عام 2024.
وبالرغم من حديث المسؤولين الأميركيين الحاليين عن نيّتهم رفع العقوبات عن إيران والعودة الى الاتفاق النووي، يخشى الايرانيون أن يعود ترامب (أو أحد صقور الجمهوريين) الى البيت الأبيض عام 2024، وبالتالي العودة الى مبدأ العقوبات الأميركية الآحادية، ما سيدمر الاقتصاد الايراني مجدداً بعد أن يكون قد التقط أنفاسه خلال مدة أربع سنوات من حكم الديمقراطيين في الولايات المتحدة.
لقد تيقن الايرانيون من تجربتهم مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن مبدأ استمرارية السلطة بالتزاماتها الدولية غير مضمونة في الولايات المتحدة، وإن أي اتفاق جديد تعقده اي إدارة أميركية لا يحظى بموافقة الكونغرس، لا يعوّل عليه، ويمكن نقضه بسهولة في المستقبل كما فعل ترامب.
وعليه، بدا اليوم من توقيع الاتفاق الصيني الإيراني، أن الايراني أيقن أن التعاون والانفتاح على الغرب سيبقى رهينة رغبات الرئيس الذي يأتي الى البيت الأبيض، في ظل عداء لإيران يتخطى الانقسام الحزبي في الكونغرس الأميركي. ولهذا، ليس في مصلحة الايراني أن يستمر في المراهنة على علاقة جيدة مع الغرب، ومع الأميركيين تحديداً، وبالتالي إن الحياد في المنافسة العالمية بين الغرب والصين سترتد على طهران سلباً ولن تأتي بالاستقرار للاقتصاد الايراني، فتمّ الحسم بالتوجه شرقاً.