منذ تفجّر الإحتجاجات الشعبيّة إعتبارًا من 17 تشرين الأوّل 2019، وتدهور الأوضاع في لبنان بشكل خطير جدًا على مُختلف الصُعد، تعلو مُطالبات مُتفرّقة بوجوب إجراء إنتخابات نيابيّة مُبكرة، كمدخل لحلّ الأزمة. فهل هذا صحيح؟.
الإجابة المُباشرة والسريعة والبديهيّة، هي: كلا! والأسباب مُتعدّدة، ولكن قبل الخوض فيها، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الإنتخابات النيابيّة العامة التي يُفترض أن تجري في ربيع العام 2022 المُقبل، قد لا تحصل في موعدها، بسبب إستمرار الخلاف على القانون الإنتخابي الواجب إعتماده، وربّما لأسباب مُرتبطة بوقائع أمنيّة أو إقتصاديّة أو وبائيّة، إلخ. قد تفرض نفسها عندما يحين موعد هذه الإنتخابات. في كلّ الأحوال، في حال سلّمنا جدًلا، أنّ الإنتخابات النيابيّة العامة حصلت، أكان في توقيت باكر–وهي لن تحصل حتمًا قبل موعدها، أو في موعدها المُفترض–وهناك شكوك كبيرة بإمكان إرجاء هذا الموعد، فإنّ النتائج لن تُمثّل خشبة الخلاص للبنان على الإطلاق، للأسباب التالية:
أوّلاً: في حال بقاء التوازنات السياسيّة داخل المجلسعلى ما هي عليه حاليًا، فإنّ الأمور مُرشّحة طبيعيًا لأن تكون إستمرارًا لما كانت عليه خلال السنوات القليلة الماضية، أيّ منذ صُدور نتائج آخر دورة إنتخابيّة نيابيّة وما نتج منها، حتى اليوم.
ثانيًا: في حال تبدّل الأغلبيّة النيابيّة من ضفّة إلى ضفّة، أي في حال عودتهاإلى ما كانت عليه قبل العام 2018، فإنّ عيّنات الحُكم التي كانت سائدة منذ العام 2005 حتى الأمس القريب، تُؤكّد أنّ إختلاف التوازنات السياسيّة في المجلس لا يُغيّر في النهج العام للحُكم، وما نُعاني منه اليوم أصلاً ناجم من أداء مُتواصل منذ عُقود. أكثر من ذلك، إنّ السنوات الماضية منذ العام 2005 حتى اليوم، أظهرت أنّ قُدرة العرقلة المُتبادلة للقوى السياسيّة عاليّة وفعّالة جدًا، بغضّ النظر عن الهويّة السياسيّة للأغلبيّة الحاكمة، إن على مُستوى السُلطة التشريعيّةأو حتى على مُستوى السُلطة التنفيذيّة. وقد تنوّعت أساليب العرقلة من "الثلث المُعطّل" على طاولة الحُكومة، مُرورًا بالإعتصامات في الشارع، وُصولاً إلى إقفال أبواب مجلس النوّاب!.
ثالثًا: في حال سلّمنا جدلاً أنّ القوى السياسيّة التقليديّة في لبنان فقدت العديد من مقاعدها، لصالح بروز قوى جديدة من المُجتمع المدني، ولصالح شخصيّات مُستقلّة، فإنّ إستحواذ هذه القوى مُجتمعة على ثلث المجلس النيابي سيُقويّ القُدرة على المُعارضة وعلى المُحاسبة بالتأكيد، لكنّه لن يُحدث أيّ تغييرات جوهريّة على مُستوى الحكم. إشارة إلى أنّ التقديرات تتحدّث عن عدم قُدرة القوى غير التقليديّة على الفوز بأكثر من عشرة مقاعد فقط في أفضل الأحوال، في حال جرت الإنتخابات النيابيّة وفق القانون النسبي الحالي، وهو قانون يحول دون إلغاء أيّ جهة تتمتّع بالحد الأدنى من المُناصرين والناخبين. حتى أنّ بعض المُحلّلين التابعين للأحزاب السياسيّة يتوقّعون أن تفشل قوى المُجتمع المدني في الفوز بأيّ حجم مُهمّ من المقاعد، بسبب إنقساماتهاالكبيرة على نفسها، والتي ستحول بالتأكيد دون دُخولها المعركة الإنتخابيّة ضُمن لوائح مُوحّدة، وبسبب تحريك بعض مجموعاتها من قبل قوى حزبيّة من خلف الستار، وبسبب تضمّنها أساسًا قوى حزبيّة مثل حزب "سبعة"، والحزب "الشيوعي"، على سبيل المثال لا الحصر.
رابعًا: في كل الأحوال، إنّ المجلس النيابي هو هيئة تشريعيّة لا تحكم، حيث أنّ السُلطة في لبنان هي بيد مجلس الوزراء الذي هو السُلطة التنفيذيّة. وتغيير هويّة بعض النوّاب، وحتى إنتماء عشرات النوّاب، لا يُغيّر في طبيعة الحكومة، حيث أنّ العديد من القوى السياسيّة ستبقى قادرة على العرقلة في البرلمان، وعلى عدم منح الثقة، وعلى المُطالبة بالتمثّل في السُلطة وعلى طاولة الحُكومة، وحتى على العرقلة في الشارع وبقوّة الضغط الشعبي، وربّما بضغط وهج السلاح أو عبر قطع الطرقات أو من خلال أي وسيلة أخرى غير دُستوريّة.
خامسًا: كلّ القوى السياسيّة تقريبًا تدعو اللبنانيّين إلى أن "يُصوّتوا صحّ" في الإنتخابات المُقبلة، حيث أنّ هذه القوى تعتبر أن الأخطاء في الحُكم جاءت من سواها، وأنّ الفساد هو صفة مُلازمة لسواها، وأنّ الفشل في إدارة الحكم والأزمات ينطبق على سواها! وبالتالي، كل المُطالبات بالتصويت "صحّ" تصبّ في خانة تغليب فريق سياسي على آخر، وفي خانة تغليب حزب على آخر، وتيّار على آخر، لا أكثر ولا أقلّ! وحتى دعوات الشخصيّات التي تصف نفسها بأنّها مُستقلّة، والتي تدّعي تمثيل المُجتمع المدني والرأي العام الناقم على الطبقة السياسيّة كلّها، تصبّ في خانة تمييز نفسها عن باقي القوى والشخصيّات التي تدّعي المُعارضة أيضًا، ما يُنذر بإنقسامات كبرى عند حلول موعد الإنتخابات.
في الخلاصة، وبحسب التوقّعات، من غير الوارد إجراء إنتخابات نيابيّة مُبكرة، ومن المُستبعد أيضًا إجراء الإنتخابات النيابيّة العامة في موعدها. وإن حصلت هذه الإنتخابات في الربيع المُقبل–كما هو مُفترض، الوقت لن يكون كافيًا لتغيير القانون الحالي. وبالتالي، طالما لا تغيير في النهج الحالي، ولا توافق على برامج إنقاذ وإصلاح جدّية، لن تُغيّر أيّ إنتخابات نيابيّة في المشهد العام القائم، بل ستُضعف هذا الحزب أو ذاك التيّار قليلاً، وستقوّي هذا الحزب أو ذاك التيّار قليلاً أيضًا. ومن يُراهن على غير ذلك واهم، والمُستقبل القريب سيُثبت ذلك!.