قد تكون المُبادرة الكويتيّة غير المُستغربة الأَحد الماضي، والقاضية بدعم دولة الكُويت لبنان بالفيول لإِعادة تشغيل محطّات توليد الكهرباء، تزامنت مِن باب الصّدفة ليس إِلَّا، مع عيد الفصح بحسب التّقويم الغربيّ، لتُشكّل ما هو أَبعد مِن "عيديّةٍ" كويتيّةٍ إِلى اللُبنانيّين. فالمُبادرة كانت بمثابة كسرٍ للحصار، ورسالةٍ للحدّ مِن غضّ الطّرف العربيّ، عن مُعاناة الشّعب اللُبنانيّ، تزامُنًا مع استخفاف بعض السّاسة في الدّاخل بضرورة تشكيل حُكومة إِنقاذٍ في لُبنان، بعيدًا عن الاستفراد في التّأليف، ووصولًا إِلى أَن يدعم الأَفرقاء جميعًا تلك الحُكومة، فتتمكّن مِن الشّروع في إِصلاح الوضع قبل غرق السّفينة بكُلّ مَن وما فيها...
وقد بات اللُبنانيّون يستشعرون -يومًا بعد يومٍ– بسوء طالعهم، وفي المنحى الّذي تسير إِليه الأُمور، في اتّجاه زوال الوطن، فتَسْوَدُّ كُلّ الآفاق عندهُم، وصولًا إِلى حُلول ظُلمةٍ داكنةٍ كاملةٍ، بسبب النّقص الحادّ في "الفيول"، ما يُعيق الاستمرار في تشغيل محطّات الكهرباء، الّتي بدأت الواحدة تلوَ الأُخرى تتوقّف عن العمل، إِلى أَن وصلت المُبادرة الكويتيّة السّخيّة في وقتها، في عيد الفصح المجيد، ومِن دون تطبيلٍ وتزميرٍ لها في الإِعلام، ومِن دون أَنْ يُشاهَد السّفير الكويتيّ مثلًا، على شاشات التّلفزة، في مشهدٍ إِعلانيٍّ رخيصٍ ومُسيءٍ للشّعب اللُبنانيّ في آنٍ!...
وفي عيد الفُصْحِ عندنا، عادةُ "تفقيص البَيْض"، أَي التّباري في ضرب البيض المسلوق بعضه ببعضٍ، لمعرفة بيضة مَن تفوز، فتخرُج في النِّهاية سليمةً متعافيةً... وإِذا استلهَمْنا المُبادرة الكويتيّة على المشهد اللُبنانيّ، تكون بَيْضة الكُويت قد كسرت بَيْض الكثير مِن الدُّول العربيّة والغربيّة، الّتي غضّت الطّرف عن مُعاناة الشّعب اللُبنانيّ، مُنذ 17 تشرين الأَوّل 2019، ولغاية اليوم، مع التّنويه بموقفَيْن اثنَيْن بارزَين: الأَوّل فرنسيٌّ مع سعي الرّئيس إِيمانويل ماكرون إِلى دعم الشّعب اللُبنانيّ المقهور ولكنّه لا يتنازل عن عُنفوانه وكرامته... والثّاني هو دولة العراق الّتي بادرت على طريقتها فسارت في مشروع النّفط العراقيّ في مقابل الطّبابة اللُبنانيّة... ولكنّ المُبادرة الكويتيّة، وبالنّظر إِلى فداحة وضع الطّاقة الكهربائيّة في لُبنان، باتت تُشكّل تدخُّلًا أَخويًّا وعمليًّا في وقت الضّيق والشدّة!.
وأَهمّ ما في المُبادرة الكويتيّة... ما تضمّنته مِن مُرسلةٍ مفادُها: لن يكون لُبنان وحيدًا ومعزولًا، في زمن الهجمة المحمومة على التّطبيع مع الإِسرائيليّ، وكأَنّ التّطبيع يُلهي عن الالتفاتة إِلى لبنان الجريح، ومُؤازرة شعبه الحيّ، حامل صليب الجُلجلة عن أَشقّائه العرب جميعًا... أَو كأنّ مِن شروط التّطبيع التَّنكُّر للبنان!.
ومن هُنا فإِنّ أَهميّة المُبادرة الكويتيّة، أَنّها كسرت حلقة "المُقاطعة" المفروضة على لُبنان، أَو قد تكون حصارًا مُستترًا على بلاد الأَرز.
كما وقد تكون المُبادرة مِن ثمار زيارة المُدير العامّ للأَمن اللُبنانيّ اللواء عبّاس ابراهيم الكويت في تمّوز 2020، مَبعوثًا للرّئيس العماد ميشال عون، والّتي هدفت حينها إِلى "تعزيز العلاقات المُشترَكة"، فيما كانت الكُويت عبّرت عن أَملها في وجود مُبادرةٍ عربيّةٍ لإِنقاذ لُبنان، حتّى لا ينجرف "إِلى الهاوية" أَو يسقط في "جُهنَّمٍ".
والمَوقف الكُويتيّ تجاه لُبنان، تزامنَ أَيضًا مع جُهود الكُويت للمِّ الشَّمل الخليجيِّ الّتي كنت ما تزال مُستمرّةً، وفيما تتواصل المساعي لإِنهاء الخلاف بين الأَشقّاء.
وكانت الكويت، أَرادت انطلاقًا مِن "العلاقات الأَخويّة" مع لُبنان، "المُساهمة في بَلْسَمة جراح اللُبنانيّين"، فأَعلن عميد السّلك الدّيبلوماسيّ العربيّ سفير دولة الكويت عبد العال القناعي، أَنّ "الكُويت ستُعيد بناء إِهراءات القمح في مرفإِ بيروت، "ليظلّ عُنوانًا شامخًا للأُخوّة ولسُبُل إِدارة العلاقات بين البلدَيْن الشّقيقَيْن، يحترم أَحدهما الآخر، ويشعر الأَخ بأَخيه، وأَنسب مجالٍ للبدء في المُساعدات الماديّة هو إِعادة بناء الإِهراءات الّتي تُوفّر المخزون الاستراتيجيّ مِن القمح للُبنان، إِضافةً إِلى المساعدات الماديّة الّتي تبرّعت بها الكُويت للبنان، خلال المُؤتمر الّذي كان دعا إِليه الرّئيس ماكرون، وعُقِد مِن أَجل مُساعدة لُبنان وقد بلغ مجموعها 41 مليون دولار.
كما وسارعت السُّلطات الكويتيّة، ومُنذُ اليوم الثّاني لوقوع انفجار الرّابع مِن آب 2020 في مرفإِ بيروت، إِلى مدّ جسرٍ جويٍّ بين البلدَيْن، فكانت الكُويت مِن أُولى البلدان الّتي حطّت طائراتها في المطار، ومِن ثمّ تتابع وصول المُساعدات مِن مُختلف الدّول العربيّة والدّوليّة... فهل ستتكرّر التّجربة مُجدّدًا بعد مُبادرة الفيول؟.
وما زلنا نذكُر شعار "إِنتو أَهلنا وهذا واجبنا" الّذي رفعته الكُويت، وقد جسّد فعلًا الأُخوّة الكويتيّة للبنان، فيما بلغت قيمة المُبادرة الكويتيّة بعد انفجار مرفإِ بيروت ما يقارب الـ 820 طنًّا.
بيد أنّ أهميّة الدّعم الكويتيّ للبنان أيضًا، تنطلق مِن إيمان الكويت بـ "قدرة لبنان على تجاوز أَزماته"، مِن خلال تفعيل مساعي الأَشقّاء والأَصدقاء الخيّرة.