في 22 تشرين الأوّل من العام 2020 الماضي، تمّ تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري تشكيل الحُكومة(1) الرابعة في عهد الرئيس العماد ميشال عون، لكن الأمور لا تزال تدور في الحلقة المُفرغة منذ قرابة الستة أشهر، في ظلّ إنهيار مُخيف على مُختلف الصُعد. فهل ما يحصل حاليًا من تحرّكات داخليّة وخارجيّة كفيل بتجاوز العُقوبات؟.
الأكيد أنّ مُستوى التدخّلات والضُغوط الخارجيّة بلغَ خلال الأيّام القليلة الماضية مُستوى مرتفعًا، الأمر الذي رفع منسوب التفاؤل بإمكان أن تُثمر هذه الإتصالات خرقًا لجدار العرقلة أمام تأليف الحُكومة. ولا شكّ أنّ فرنسا تلعب حاليًا دورًا رئيسًا في مُحاولات دفع الأمور إلى الأمام، مع تدخّل مُواكب من قبل الكرسي الرسولي، ومن قبل جُمهوريّة مصر العربيّة. وهذا التدخّل الغربي-العربي يهدف إلى فتح الطريق أمام تشكيل الحُكومة، ليس عبر الضغط على الأطراف اللبنانيّة فحسب، بل أيضًا عبر الإستحواذ على "ضوء أخضر" إقليمي لها، أو أقلّه عدم مُعارضتها من أيّ جهة، وتحديدًا من قوى إقليميّة فاعلة على غرار المَملكة العربيّة السُعوديّة على سبيل المثال لا الحصر. وتتزامن التدخّلات والضُغوط الخارجيّة مع مساعٍ داخليّة تتمثّل في تحرّكات لكلّ من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي و"حزب الله" ومُدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، إلخ. لترميم الثقة المفقودة بين التيّارين الأزرق والبرتقالي. لكنّ هذه الحركة الناشطة لا تعني أنّ الأمور بلغت خواتيمها السعيدة، حيث أنّ أجواء عمليّة التشكيل صارت أشبه بالبُورصة، حيث ترتفع حينًا وتهبط حينًا آخر.
وفي هذا السياق، وبعد أن إنتشرت مَعلومات عن تقدّم كبير في مساعي التشكيل، تمثّلت بما أشيع عن مُوافقة رئيس الحُكومة المُكلّف على رفع عدد الوزراء من 18 إلى 24 وزيرًا في مُقابل مُوافقة رئيس الجمهوريّة على ألاّ تتجاوز حصّته مع حلفائه اللصيقين ثلث إجمالي عدد الوزراء، وأنّ العقد الباقية تنحصر ببعض الحقائب وبحقّ تسمية الوزراء المسيحيّين، عاد الحديث مُجدّدًا في الساعات الماضية عن أنّ التفاؤل غير مبني على وقائع ثابتة، حيث أنّ الأمور مَفتوحة على كلّ الإحتمالات، مع إستبعاد حُدوث توافق جزئي على أي عقدة، ما لم يحصل توافق على العُقد الباقية. بمعنى آخر، إمّا أن تنفرج الأمور دفعة واحدة نحو التشكيل، وإمّا تبقى عالقة!.
تذكير أنّ رفع عدد الوزراء من 18 إلى 24 يسمح بتمثيل الطائفة الدُرزيّة بوزيرين، وهو يحلّ بالتالي عقدة تمثيل الحزب "الديمقراطي اللبناني" إلى جانب الحزب "الإشتراكي"، مع منح مذهب الروم الكاثوليك وزيرين بدلاً من واحد، إضافة إلى وزيرين للطائفة الأرمنيّة أيضًا، لكنّه لا يُغيّر شيئًا في رفض فريق رئيس الجمهوريّة إحتساب مُمثّلي حزبي "الطاشناق" و"الديمقراطي" من ضُمن حصّته، في مُقابل رفض رئيس الحكومة المُكلّف أن يتجاوز عدد وزراء تحالف "التيّار" مع حزبي "الطاشناق" و"الديمقراطي" اللذين يتمثلان في كتلة "لبنان القوي" النيابيّة، ثلث إجمالي عدد الوزراء. وهنا لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الحديث عن عدم إمتلاك أي طرف للثلث المُعطّل هو غير دقيق على الإطلاق، لأنّ ثلثي الحُكومة ستكون في مُطلق الأحوال بيد التحالف السابق المَعروف، بين "التيّار الوطني الحُرّ" وقوى "8 آذار". لكن بما أنّ التطورات المُتلاحقة تجاوزت الإنقسام العامودي الذي كان سائدًا بين قوى 8 و14 آذار، وبما أنّ الخلافات المُستحكمة شرذمت كل فريق منهما، صار التعاطي مع كل جهة حزبيّة يتمّ بشكل مُنفصل. وبالتالي، المُقصود من عدم حُصول أيّ طرف على الثلث المُعطّل، عدم حُصول أي حزب أو تيّار وحده على هذا الثلث.
من جهة أخرى، وإذا كان جرى طرح أكثر من صيغة لحلّ مُشكلة وزارتي العدل والداخليّة، لجهة أن تكون التسمية مُشتركة أو عائدة لجهة مُحايدة، إلى ما هناك من مخارج يمكن اللجوء إليها في نهاية المطاف، لا تزال مسألة تسمية الوزراء المسيحيّين في صلب العقبات، كون رئيس الجمهوريّة يرفض أن يتمّ تحديد عدد الوزراء الذين يحقّ له بتسميتهم. فإضافة إلى وزير من حصّة الحزب "القومي" ووزيرين من حصّة "تيّار المردة" في حُكومة من 24 وزيرًا، يبقى 9 وزراء من حصّة المسيحيّين، يُطالب فريق الرئيس بتسميتهم، بينما يرفض رئيس الحكومة المُكلّف ذلك، ويُصرّ على أن تتجاوز حصّة الرئيس الـ8 وزراء، مع إحتساب أحد الوزراء الدُروز وأحد الوزراء الأرمن ضُمنها، ناهيك عن الخلاف بشأن طبيعة هذه الحُكومة حيث يريدها الحريري حُكومة وزراء إختصاصيّين، في حين يسعى التحالف بين "التيّار الوطني" و"حزب الله" إلى عدم إفتقار الحُكومة المَوعودة للثقل السياسي، خاصة أنّه من المُحتمل أن تستلم السُلطة في حال تعثّر إجراء إنتخابات رئاسيّة في موعدها.
في كلّ الأحوال، على الرغم من كلّ الضُغوط الحاصلة للتوصّل إلى تنازلات مُتبادلة، طالما أنّ الثقة مَفقودة بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المُكلّف، ومن خلفهما بين التيّارين البرتقالي والأزرق، فإنّ عمليّة التشكيل لن تكون سهلة على الإطلاق. وحتى لو أثمرت الحركة الدبلوماسيّة الكثيفة القائمة عن تشكيل الحُكومة خلال الشهر الحالي، فإنّ إدارة السُلطة التنفيذيّة في ظلّ إنعدام هذه الثقة، يعني عمليًا إدارة الحُكم في إتجاهين مُتناقضين... ولا داعي للحديث عن النتيجة المُرتقبة لهكذا سُلطة، حيث أنّ المَكتوب يُقرأ من عنوانه!.