فجأة، صارت الزيارة المفترضة لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلى فرنسا هي محور النقاش ومادة الاستقطاب في بلد يستهلك الحدث تلو الآخر والمبادرة تلو الأخرى.
بين ليلة وضحاها وُلدت فرضية الزيارة وصارت هي المؤشر الى قرب ولادة الحكومة أو ابتعادها، فإذا حصلت تكون الطبخة قد نضجت ولم تعد تحتاج سوى إلى «بهارات فرنسية» قبل توزيع الأطباق الوزارية على ممثلي المائدة اللبنانية، وإن لم تحصل تكون النهاية السعيدة للدراما الحكومية مؤجلة حتى إشعار آخر.
واذا كان قد سبق لباسيل أن التقى الرئيس الفرنسي ماكرون في باريس قبل نحو سنتين لمساعدة الرئيس سعد الحريري على الخروج من ازمته في السعودية، فليس معروفاً بعد ما اذا كان هذا اللقاء سيتكرّر في القريب العاجل ولكن هذه المرة لإخراج الحريري وباسيل معاً من عنق الزجاجة الذي ضاق بهما وعليهما نتيجة الخلاف المُستحكم بينهما حول الشأن الحكومي وربما الشخصي أيضاً.
واللافت انّ التداول باستضافة باريسية محتملة لباسيل أتى غداة الكلام حول خرق سُجّل خلال الأيام الماضية في جدار التصلّب الحكومي، وبعد تهديد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بزيادة الضغوط على معطلي التشكيل وصولاً الى فرض عقوبات أوروبية مشتركة عليهم. فهل اختمرت لحظة الخروج من نفق التعطيل على وقع التلويح بالمطرقة الخارجية أم أن المؤشرات الايجابية التي لاحت أخيراً ببُعديها الداخلي والخارجي هي خادعة وهشّة؟
من الواضح حتى الآن أن لا شيء نهائياً بعد وان كل الاحتمالات لا تزال واردة، من ولادة الحل سواء بالترهيب أو الترغيب الى إمكان إجهاضه مجدداً في «غرفة العمليات» تحت وطأة العناد.
وعليه، فإنّ هناك من يعتبر ان زيارة باسيل إلى باريس، في حال إتمامها، ستكون في حدّ ذاتها إشارة إيجابية، ذلك انّ فرنسا لن تستقبله الا اذا كانت متأكدة من ان النتائج مضمونة، وهي لن تقبل بتصدير حقل التجارب اللبنانية اليها.
ويكشف العارفون أنّ فكرة دعوة باسيل انطلقت أساساً من شخصيات أو «خلية لبنانية» في باريس، هي على تواصل مع الفرنسيين، وكانت في صورة إجراءات فرنسية قاسية ستتخذ ضد معطّلي تشكيل الحكومة، حيث بلغها أن «شيئاً كبيراً» يتم تحضيره على هذا الصعيد وانّ قصر الاليزيه لا يمزح بل ان التلويح بالعقوبات هو خيار جدي وليس تهويلاً.
وتقاطعت محاولة تلك الشخصيات احتواء الغضب الفرنسي قبل انفجاره مع مسعى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي زار باريس أيضاً، حيث تم التدخل لدى الاليزيه على قاعدة إعطاء فرصة فرنسية اخيرة للمعالجات، وطُرحت في هذا السياق فكرة زيارة باسيل، وكذلك الحريري اذا اقتضى الأمر، سواء لجمعهما او لعقد لقاءات منفردة مع كل منهما.
ويبدو ان ردّ باريس لم يمانع من حيث المبدأ في استقبال باسيل وغيره، «شرط أن يأتوا لإنجاز الحل وليس لتقطيع الوقت، إذ لم يعد لدينا الصبر لتحمّل مزيد من الاخذ والرد».
ويرجّح المطلعون ان يكون قد اصبح لدى المعنيين بتشكيل الحكومة استعداد أكبر للتسوية، «ومتى تأكد الفرنسيون من ذلك فإنهم سيأتون بالسلالم لإنزال العالقين في أعلى الشجرة، خصوصاً ان التنازل لباريس من أجل إنجاح مبادرتها هو على الارجح أسهل من ان يتنازل هذا الطرف اللبناني لذاك، بعدما وصلت الخصومة بين البعض في الداخل الى حدها الأقصى.
وتلفت اوساط مواكبة لمساعي الحلحلة الى ان «الإخراج الفرنسي» قد يريح ايضاً أولئك الذين يفضلون ان لا تبدو التسوية وكأنها تمت تحت ضغط «حزب الله» او بموجب تدخله، «وفي ظنهم ان إبعاد شبح الحزب سيؤدي الى تسهيل مهمة الحكومة المقبلة، وسيمنحها فرصة كسب ثقة المجتمع الدولي والحصول على المساعدات».
لكن الإخراج الفرنسي المقترح سيبقى سابقاً لأوانه ما لم يتم التوافق قبلا على الخطوط الاساسية لسيناريو تشكيل الحكومة، الأمر الذي لم يكتمل بعد. صحيح انّ معادلة الـ24 وزيراً باتت قيد التداول وهي تحظى بنوع من القبول، الا انّ الشياطين الكامنة في تفاصيل توزيع الحقائب وتسمية الوزراء لم تُطرد حتى الآن من مخابئها، والى حين البَت في مصيرها، سيتواصل الترنّح بين هبّة ساخنة وأخرى باردة.
امّا احتمال عقد لقاء بين الحريري وباسيل في العاصمة الفرنسية فلا يزال مستبعداً في الوقت الحاضر، خصوصاً انّ الرئيس المكلف غير مستعد او اقله غير متحمّس للاجتماع مع باسيل الآن، واغلب الظن وفق المطّلعين انه ليس في صدد البحث في هذه المسألة قبل ان تكون التسوية الحكومية قد اكتملت كلياً، بحيث انّ اللقاء ربما يصبح وارداً بعد إنجاز الاتفاق وليس قبله، فالحريري لا يريد ان يعطي أي انطباع بأن الحكومة ولدت على قاعدة الثنائية بينه وبين باسيل، كما جرى في الحكومة التي ترأسها بعد التسوية الرئاسية.
في المقابل، يفيد انعقاد الاجتماع باسيل، لأنه يعني كسر الفيتو الذي وضعه الحريري عليه في المفاوضات، وتثبيت موقعه كممر إلزامي لا يمكن تجاوزه في التركيبة السياسية ومعادلاتها.