بين المحقق العدلي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار واهالي الضحايا والشهداء الذين سقطوا في ذلك اليوم المشؤوم من شهر آب الفائت، علاقة أكثر من ممتازة. يكفي أن يطلب أحد الأهالي وبرسالة عبر واتساب موعداً من القاضي البيطار، حتى يأتيه الجواب سريعاً "غداً او بعد غد، إما قبل التاسعة صباحاً وإما بعد السادسة مساء". قبل التاسعة أي قبل بدء جلساته وإجتماعاته، وبعد السادسة يعني بعد إنتهاء مواعيده. هذه المرونة في إستقبال الأهالي عمّمها المحقق العدلي على معاونيه في المكتب، كي ينسحب التساهل عليهم أيضاً مع أي عائلة تطلب موعداً. وفي كل مرة يزورون فيها القاضي البيطار، يسمعون منه وبشكل واضح وصريح عبارة "ما يهمني من هذا الملف الحقيقة والعدالة، ومن بعدهما أهالي الضحايا والشهداء لا أكثر ولا أقل، وإذا حاولت أي مجموعة او فريق إنتقادي او التظاهر ضدي لن أتأثر، أكثر ما يمكن أن يؤذيني هو انتم، كلمتكم ثقتكم ودعمكم، وإذا تخليتم عني لن اتمكن من متابعة المهمة الملقاة على عاتقي".
حماسة القاضي البيطار على كشف الحقيقة وإنصاف الضحايا والشهداء والجرحى، تقابلها حماسة لدى الأهالي للوصول الى هذه الحقيقة حتى ولو كانت المرة الأولى التي تكشف فيها في لبنان جريمة من الجرائم الكبرى لا بل الأكبر في تاريخ لبنان، وإنطلاقاً من هذه الحماسة، يطرح الأهالي في زياراتهم على المحقق العدلي هواجسهم ومنها، متى ينتهي من تحقيقاته ومتى يكتمل ملفه ومتى سيصدر قراره الظني ومتى سيحيل الملف الى المجلس العدلي لبدء المحاكمة؟.
وعن هذه الأسئلة، يجيب البيطار انه متفائل بتسلم تقرير المحققين الفرنسيين قريباً وهذا ما سيساعده كثيراً على إستكمال ملف التحقيقات، أما بالنسبة الى القرار الظني، فالمسألة تحتاج الى المزيد من الوقت، ولتسريع السير بالملف وصولاً الى القرار الظني، الأمر يحتاج إما الى إنشاء محكمة خاصة بجريمة إنفجار المرفأ تضم عدداً من القضاة الذين يتعاونون على التحقيق بملف بهذا الحجم، وإما بتشكيل لجنة تقصّي حقائق لبنانية، تتولى مسألة التحقيق وإستكمال الملف داخلياً وخارجياً لكشف كل الجرائم التي وقعت، من شراء النيترات المتفجر وجريمة الإعتداء على أمن الدولة بإدخاله الى لبنان، مروراً بجريمة التخزين في العنبر رقم 12 الى جانب المفرقعات وفتائل الديناميت ومادة الميتينول السريعة الإشتعال، وصولاً الى وقوع الإنفجار مساء الرابع من آب 2020.
أمام الأهالي أيضاً، يردد المحقق العدلي أنه سيخلي قريباً سبيل عدد من الموقوفين الـ25 إما لأنهم أبرياء وإما لأن مدة توقيفهم لاكثر من ثمانية أشهر، تخطت مدة العقوبة التي يمكن ان ينالونها بعد صدور الحكم عن نسبة الجرم المرتكب من قبلهم. ومن الأهالي، يسمع البيطار تأكيداً وإصراراً منهم على عدم ترك أي بريء داخل السجن ظلماً، وأن كل ما يريدونه من هذا الملف هو الحقيقة والعدالة وليس التجني على أحد.
هل تصمد هذه العلاقة الممتازة بين القاضي البيطار وأهالي الضحايا أم أنها ستهتز بعد إخلاءات السبيل؟.