نقلت صحيفة الراي الكويتية عن أوساطٌ واسعة الاطلاع عن وضْع محطة وزير الخارجية المصري سامح شكري الى لبنان، موفداً من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بين حدّيْن: الأوّل أنها في سياق ما يشبه تحرّك الدقائق الخمس الأخيرة من العواصم، التي مازال لبنان على رادارها، قبل حصول الاصطدام بقعر الهاوية المالية - الاقتصادية وإمكان ترجمة العين الحمراء الخارجية بعقوبات على معرقلي الملف الحكومي.
والثاني أنها في إطار "شدّ براغي" ضمنيّ للمبادرة الفرنسية في ضوء ما يسود بعض الكواليس من معطيات عن تحفظات مصر، التي تعبّر في حِراكها باتجاه بيروت عن مناخٍ خليجي وعربي، عن تراجعاتٍ قامت بها باريس وربما لن تمانع المزيد منها بهدف إنجاح مبادرتها بأي ثمن.
وإذ ترى هذه الأوساط أن زيارةَ شكري لباريس في طريقه إلى بيروت تؤشّر في الشكل إلى رغبة مصرية وعربية بالإبقاء على المبادرة الفرنسية حيّة لأن دفْنها سيعني ابتلاع العاصفة الكاملة لبنان، لاحظتْ موقفاً متشدّداً من وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمس، أكد أن بلاده ستتخذ إجراءات بحق مَن عرقلوا حلّ الأزمة في لبنان والأيام المقبلة ستكون مصيرية، وفي سياق متشدّد موازٍ بالغ التعبير، توقّفت الأوساط عند تعمُّد وزير الخارجية المصري توجيه رسالتين بارزتين في الشكل، قبل المضمون، وهما:
عدم شمول اللقاءات الواسعة التي عقدها مع شخصيات لبنانية سياسية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ولا أي ممثّل لحزب الله. علماً أن اجتماعاته، إلى الرئيس ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري، شملت زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قبل استقبال رئيس حزب الكتائب سامي الجميل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ناهيك عن اتصال أجراه برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تعويضاً عن لقاء تعذَّر حصوله بسب إصابة الأخير بفيروس كورونا.
فاديه زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أو عقد أي لقاء ثنائي مع نظيره اللبناني شربل وهبه، وحرصه على أن يكون آخر الكلام وخاتمة الزيارات للرئيس سعد الحريري، الذي استبقاه إلى مائدة العشاء.
وفي رأي الأوساط أن شكري، الذي أعطى انطباعاً في ضوء طبيعة لقاءاته وأجندتها بأن زيارته لبيروت سياسية أكثر منها رسمية، أطلق إشارة سلبيةً مزدوجة برسْم حزب الله والأهمّ باسيل الذي سادت في اليومين الماضييْن أجواء متضاربة عن زيارة مفترضة له إلى باريس ترافقت مع التداول بأفكار قيل إنها تراود فرنسا لجمْع رئيس التيار الحر بالحريري سواء ثنائياً أم في إطار لقاءات موسعة، وهي المناخات التي سرعان ما تلاشتْ سواء بفعل قطْع الطريق عليها من الرئيس المكلف الرافض تسليم مفاتيح الحل والربط الحكومي لباسيل أو نتيجة عدم نضوج كل الظروف الكفيلة جعْل أي جرعة دفْع متجددة من باريس لمبادرتها توصل إلى النتيجة المرجوة وليس إلى مزيد من تعقيد الأزمة.
وفيما لاحظت هذه الأوساط أن رئيس الديبلوماسية المصرية، وفي معرض رسالة التضامن مع لبنان والحض على الإسراع بتأليف الحكومة، سلّف الرئيس بري دعماً وتقديراً لجهوده ومبادراته التي يطلقها للعمل من أجل الخروج من الأزمة في إطار الحفاظ على الأرضية الراسخة السياسية والقانونية المتمثلة بتطبيق الدستور اللبناني واتفاق الطائف، في ما بدا عدم ممانعةٍ للأفكار الأخيرة التي رعى بري تسويقها على قاعدة حكومة اختصاصيين من 24 وزيراً وفق توزيعة ثلاث ثمانيات أي بلا ثلث معطّل لأي فريق، وسط اعتبارها أن كلام شكري عن الدستور والطائف جاء في إطار تأكيد الرفض الضمني لهذا الثلث ودعم رؤية الحريري لمجمل آلية التأليف التي يشتبك فيها مع رئيس الجمهورية وفريقه ولا سيما باسيل.
ولم يكن عابراً وفق الأوساط عيْنها الكلام الذي قاله الرئيس عون خلال استقباله شكري، والذي تضمّن رسائل للحريري يمكن اعتبارها أيضاً موصولة إلى وزير الخارجية المصري حيال إقصاء باسيل، إذ أعرب عن امتنانه للدور الذي تقوم به مصر بقيادة الرئيس السيسي لمساعدة لبنان بمواجهة الأزمات المختلفة التي يعانيها، لا سيما الحكومية، متمنياً أن تثمر هذه الجهود نتائج إيجابية، لا سيما إذا توافرت إرادة حقيقية للخروج من الأزمة، من خلال اعتماد القواعد الدستورية والميثاقية وبالتعاون مع جميع الأطراف اللبنانيين من دون إقصاء أو تمييز.
وبعد تبلغه رسالة السيسي التضامنية مع لبنان والداعمة للمساعي المبذولة لتشكيل حكومة جديدة، حمّل عون الوزير شكري تحياته للرئيس السيسي، وشكره على مبادرته القائمة على وقوف مصر على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، كما كانت دائماً عبر التاريخ.
واستوقف الأوساط المطلعة أن لقاء شكري مع البطريرك الماروني وتوافقهما على الإسراع بتشكيل حكومة إصلاحات تفسح المجال أمام دعم إقليمي - دولي سبقه موقف نوعي للمطارنة الموارنة بعد اجتماعهم الشهري برئاسة الراعي أكد دعم تحرك غبطته الوطني الهادف إلى خلاص لبنان واستعادة سيادته وقراره الحر، وذلك عبر تأليف حكومة إنقاذية تنفذ الإصلاحات المطلوبة من الشعب اللبناني والمجتمع الدولي.
وفي حين رأت الأوساط أن هذا السقف العالي لبكركي يكرّس مقاربتها للملف الحكومي التي تبدو بمفاصلها الرئيسية أقرب إلى الحريري الذي حدّد له الفاتيكان موعداً في 22 الجاري للقاء البابا فرنسيس، اعتبرت أن تزخيم الحركة العربية - الفرنسية باتجاه لبنان لا يكفي لتوقُّع اختراقاتٍ وشيكة في مأزق التأليف في ظل طغيان الحسابات الإقليمية على الأبعاد المحلية الصرف للأزمة.