تعيش إيران أياما دقيقة، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية فيها، التي يُرجّح أن تُنتج رئيساً ذو ميول متشدّدة، فقد بدأت انفراجات الإجتماعات التي تعقد في فيينا بين ممثل عن إيران، وممثلين عن الدول الموقّعة على الاتّفاق النووي الإيراني، باستثناء أميركا، تظهر على ألسن ممثلي تلك الدول. هذه الإيجابيّة، يقابلها معارك في البحر بين تل أبيب وطهران، لم يُكشف إلا عن القليل منها.
في فيينا، يبدو أنّ عملية إحياء الاتفاق النووي قد بدأت. ورغم المسار الطويل الذي قد تستغرقه هذه العملية، إلا أنّ الأكيد أنّها ستكون أسرع من عمليّة توقيع الاتفاق التي استمرت لسنتين تقريباً.
هذه التوقّعات بأن تنتهي المفاوضات قريباً، نابعة من عدة عوامل:
أولاً، اقتراب انتهاء مهلة الـ3 أشهر التي حدّدها البرلمان الإيراني في قانون "خطة رفع العقوبات"، والتي تعني انسحابًا كلياً لإيران من الاتفاق النووي، وهو ما لا تريده الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا).
ثانياً، تنتهي بعد شهر تقريباً، المهلة التي أعطتها إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي سُمح من خلالها للوكالة بمراقبة نشاط إيران النووي بطريقة غير مباشرة. أيّ أن انتهاء تلك المهلة، يعني نهاية مراقبة الوكالة الدولية للنشاط النووي الإيراني الذي تتخوف منه الدول الغربية، التي تدعي أن طهران باتت على بعد أشهر من صناعة قنبلة ذرية.
ثالثاً، شكّل الاتفاق الموقّع بين إيران والصين، والذي سيستمر لمدة 25 عاماً، الشرارة التي حمّست الدول الأوروبية، ومن خلفها أميركا، على إعادة إحياء الاتفاق. ففي حال بدأت الشراكة الصينية-الإيرانية، ستكون إيران بمأمن من أي عقوبات أميركية. وهذه الرؤية، وردت في أكثر من تصريح أميركي، بأن عقوبات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب القاسية، في حال استمرارها، ستفقد مبدأ العقوبات فعاليته، لأنها لم تنجح في إيقاف نشاطات إيران، بل على العكس، كانت سبباً في تطوير قدراتها على الاكتفاء الذاتي.
وبالتالي، إن هذه العوامل مجتمعة، أعطت اجتماعات إيران مع الترويكا الأوروبية وروسيا والصين، زخماً للبحث عن حل. وهذا الزخم، وُجد أيضاً في واشنطن، حيث أعلن المبعوث الأميركي لإيران روبرت مالي صراحة أن الوقت الآن هو لوقف تطور إيران النووي، ويجب تأجيل الملفّات الأخرى (نشاط إيران الإقليمي وبرنامج إيران الصاروخي) إلى مراحل مستقبلية بعد الاطمئنان من عدم امتلاك طهران للسلاح النووي، حسب تعبيره.
هذه الإيجابية في الملف النووي، يقابلها سواد في الصراع بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل. ففي البحر، ظهر إلى العلن معارك من نوع آخر: استهداف السفن في البحر بين البلدين.
بداية هذه العمليات التي ظهرت إلى العلن، كانت منذ شهر تقريباً، حين استُهدفت سفينة شحن إسرائيليّة بطريقة مجهولة، حيث لم تعلن إيران مسؤوليتها عن الحادث. تبع ذلك استهداف لسفينة إيرانيّة أيضاً، دون أن يتبنّى أحد هذه العملية. لكن منذ يومين، استُهدفت سفينة "ساويز" الإيرانية في البحر الأحمر، وهي سفينة طابعها عسكري، تستخدمها طهران لنشاطات استخباراتيّة، وكانت واشنطن منذ أشهر طويلة، قد حذرت من تواجد هذه السفينة.
هذه الاستهدافات، لم تكن يتيمة، حيث كشفت معلومات استخباراتية عديدة، أن هذه المعارك بين إيران وإسرائيل ليست جديدة. وكشفت المعلومات، أن خلف الستار، ضربت إسرائيل أكثر من سفينة نقل مواد نفطية إيرانية، متجهة إلى سوريا. وبالتالي هذه الأحداث، لا يُمكن أن توصل إلى حرب كبيرة، بل هي واحدة من المعارك، التي تخوضها طهران وتل أبيب، في حربهما الكبرى، دون أن توصل إلى حرب شاملة ليست في مصلحة أي من الطرفين.
تتقلب الأجواء في إيران. فمن جهة، أزمة سياسية واقتصادية في داخلها، ناجمة عن الانقسام بين الأصوليين والإصلاحيين قبيل الانتخابات الرئاسيّة إضافة لتبعات العقوبات الأميركية، ومن جهة أخرى، تواجه إيران الهجمات "متعدّدة الأطراف والأشكال عليها"، وفي خضم هذا التقلب، تأمل الجمهوريّة الاسلاميّة، على ما يبدو، في أن تصل المفاوضات النووية إلى نتائج ملموسة، وهو ما سيظهر اليوم الجمعة بعد انتهاء اجتماعات فيينا.