منذ إنطلاق الحراك الشعبي في الشارع في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، طُرحت الكثير من الأسئلة التي تحول دون تقديم المجموعات المشاركة فيه لمشروع سياسي موحد، على وقع الإتهامات التي كانت توجه إليها بالإختراق من قبل بعض أحزاب السلطة الساعية إلى الإنقلاب على الأكثرية النيابية أو زيادة حصتها في أي إنتخابات نيابية جديدة.
ضمن هذا المسار، مرّ الحراك بالعديد من المحطّات المهمة، التي كان من الممكن أن تعزّز حضوره في المشهد السياسي في ما لو تم الإتفاق على المشروع أو البرنامج الموحد، أبرزها كان في المرحلة التي سبقت تأليف حكومة حسان دياب، حيث كان من الممكن أن يقدّم الحراك، الذي كان في أوج قوته حينها، لائحة من مجموعة أسماء يفرض على الكتل النيابية إختيار واحد منها لرئاسة الحكومة، إلا أنه لم ينجح في ذلك.
بعد ذلك، جاء الإنقسام حول كيفيّة التعامل مع تكليف دياب نفسه، حيث كان هناك من يريد أن يتفاوض معه ومن يرفض ذلك، ومن كان يريد أن يمنح حكومته بعد تشكيلها فرصة ومن يريد الإستمرار في حالة الإعتراض، لكن خلاف هذا المشهد كانت الإنقسامات التقليديّة بين الأفرقاء السياسيين حاضرة في قلب الحراك حول مجموعة من العناوين، وكانت تتمظهر من خلال الحديث عن وجود ساحتين للإعتراض في وسط بيروت: الأولى في ساحة الشهداء أما الثانية في رياض الصلح.
قبل ما يقارب العام من موعد الإنتخابات النيابيّة المقبلة، يبدو أن هناك ما بدأ ينضج على مستوى المشروع السياسي من رحم الحراك الشعبي، خصوصاً أن المرحلة الحالية قد تكون مناسبة لتقديم طروحات جديدة، في ظل العجز الواضح الذي تظهره الطبقة السياسية، بدليل ما يحصل على مستوى الخلاف بين أركانها بالنسبة إلى الملف الحكومي. إلا أنّ النتيجة لن تكون عبر ولادة جبهة سياسية موحّدة بل أكثر من جبهة، على الأقل جبهتان حتى الآن.
أساس الخلاف بين الجبهتين، بحسب ما تكشف مصادر متابعة لـ"النشرة"، هو بعض العناوين السياسية، بالإضافة إلى التقاطعات التاريخيّة المتعلّقة ببعض المكونات الحزبيّة، حيث هناك من يعتبر أنّ حزب "الكتائب" لا يمكن فصله عن المنظومة الحاكمة بأيّ شكل من الأشكال، خصوصاً أنّه كان، حتى الأمس القريب، يشارك في حكوماتها ويتحالف معها في الإستحقاقات الإنتخابيّة.
في هذا السياق، سيكون "الكتائب" عماد الجبهة الأولى، التي من المفترض أن يعلن عن ولادتها في الأيام القليلة المقبلة. وستضم "لقاء تشرين"، "حزب تقدم"، حزب "الكتائب"، حركة "الإستقلال"، "نبض الجنوب"، "خط أحمر"، "عامية 17 تشرين"، بالإضافة إلى مجموعات أخرى تمّ التوافق معها على العناوين العريضة.
هذه الجبهة، التي تُصنّف على أساس أنّها أقرب إلى توجّهات قوى الرابع عشر من آذار سابقاً، ستقابلها أخرى تعلن أنّ توجهها هو الدولة المدنيّة التي ستكون قادرة على وضع إستراتيجيّة دفاعيّة، بالإضافة إلى الإنقاذ المالي والإقتصادي عبر حكومة إنقاذ إنتقاليّة من خارج المنظومة الطائفيّة، وهي تُصنّف نفسها بأنّها أقرب إلى الوسط وتفتح باب الحوار مع كافة أفرقاء المعارضة، وتضمّ مجموعات أخرى أبرزها "الكتلة الوطنيّة" و"بيروت مدينتي" و"تحالف وطني" و"المرصد الشعبي لمحاربة الفساد"، بالإضافة إلى مجموعات مناطقيّة من زحلة وزغرتا والبقاعين الغربي والأوسط، مع إحتمال إنضمام مجموعات طلابيّة ومن بيروت.
وفي حين يبدو من الواضح أن هناك قوى أساسيّة كانت حاضرة في الحراك الشعبي خارج هاتين الجبهتين، تشير المصادر نفسها إلى أن تأطير مجموعات من الحراك نفسها ضمن جبهات سيدفع تلك القوى للبحث عن كيفية تنظيم نفسها، وترجح أن تولد جبهة تكون ذات توجّهات سياسيّة أقرب إلى تلك التي تحملها قوى الثامن من آذار، تضم بشكل أساسي "التنظيم الشعبي الناصري" و"الحزب الشيوعي اللبناني".
في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنّ هذا الجو صحّي على عكس ما قد يعتبره البعض، نظراً إلى أنّ من المستحيل تشكيل جبهة موحّدة قد تنفجر داخلياً عند طرح أيّ ملفّ خلافي، إلا أنّها تسأل عما إذا كانت هذه الجبهات ستكون قادرة على التنسيق في ما بينها أو تنظيم تقاطعات إنتخابية، من أجل أن تنجح في حجز موقع لها في المعادلة؟!.