تردّدت كثيرا قبل بداية كتابتي لهذا المقال, فكتابة مقال يتناول أعمال فنية لفنان لا تعرفه سهلا. الصعوبة هنا , تكمن بأن الفنان الذي سوف اتناوله في مقالي هذا عراقي كان لي شرف التحدث معه عبر مواقع التواصل الإجتماعي مرات عديدة بعد أن أبديت إعجابي بأعماله المفاهميَةتناقشنا فيها في الفن و الروحانيات و مجال عملنا الفني "الغريب العجيب".
فنّاننا يمتاز بشاعريه و ذكاء فني مميّز , ذكاء البسيط الممتنع , يستطيع من خلاله تبسيط الفكرة الفنيّة للعمل أن يوصها للناظر فيدرك معناها بسهوله دون الحاجة للتفسير و الشرح . يصل بذلك فنه المعاصر للجميع أكان يعمل في مجالنا الفني أم لا. أسمه "سلام عمر" ينظر الى العالم عبر يضع نظارته ذات الإطار الاسود السميك يراقب الناس و المكان حتى النفسيات أحياناً و منها يستنبط الأفكار التي يجسدها.
متأثر بكلّ ما يحيط به, ينظر يحلل يتذكر و يعيد إحياء انطباعات جمعها بعنايه من محيطه . بدأ العمل في العراق حيث نشأ و تعلّم و استحصل على دبلوم في الحفر الطباعي من معهد الفنون الجميلة عام 1982 كما بكالوريوس في الرسم من كلية الفنون الجميلة عام 2009.و من العراق الى العالم فمرّ ببيروت حيث عمل على مواضيع الحرب الأهليّه و القناصين فعرض في صالة بركات وأجيال لينتقل بعدها الى اسطنبول و غيرها من عواصم العالم.
ما يميّز أعماله الفنيّة هو أنّه يبرز المجتمع و مشاكله و سياساته في أعماله كبطل يستعرض عضلاته في ساحة المعركة الفنيّة مستعملاً خليط من الوسائط منها رسم في حين ثمّ الطباعة في احيانٍ أخرى ثم ينتقل للتجهيز و النحت كمن ينقل الماء من قدر الى آخر دون تبديد أو نقصان في القيمة الفنيّه للعمل و فكرته.
ابن بطوطة عاد مؤخرا الى دياره في العراق, عودة ابن الضال الى حضن أمه و أبيه , عاد في ظل أزمة كورونا ليفتتح " مركزفضاء وفن " محترفه العراقي الداعم للفن و الفنّانين العراقيين. عاد سلام حاملاً معه حقائبه الفنيّة الملوّنه بالأكريليك الممزوج بالإسمنة, مضروبه بالرصاص. رصاصات تشبه تلك التي الموجودة على مباني الحرب الأهليّه في لبنان معالم تشهد على معارك ضاريه و كراهية عظمى. عمل فنيّ من العيار الثقيل, يؤرخ فيه مرحلةٍ مؤلمة يعيشها اللاجؤون حين يختصرون حياتهم كلها في حقيبة ذكريات و حاجيات أساسيّة , طامحين أن يعيشوا حياة خالية من الخوف و الرعب المادي و المعنوي.