من المفهوم ان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لا يتمتع بشعبية كبيرة في الوسط السياسي، وهو حين كان على وئام وفي علاقة "احباء" مع رئيس الحكومة السابق والمكلف حالياً سعد الحريري، كان الآخرون ينتقدونه ويعددون مساوئ ما يقوم به، وحين انضم الحريري الى هذا القطار، اكتمل نصاب الخصومة مع باسيل من قبل كل الاطراف السياسية. حتى الآن، كانت الامور واضحة، ولكن مع انضمام رئيس الجهورية العماد ميشال عون الى حلبة الصراع، ودفاعه عن باسيل في كل ما يقوم به، تحوّل الصراع الى مكان آخر، وبات رئيس الجمهورية في قلب هذه المعركة القاسية بكلامها واجوائها. من هنا، يمكن فهم البيانين الاخيرين لكل من تيار المستقبل والقوات اللبنانية، حيث انتقد الاول باسيل ليختم بأنّ تجربة الرئيس الفعلي ورئيس الظلّ لن تتكرر مرّة اخرى، ويعيد الثاني انتقاد باسيل واتّهام عون بكل المصائب التي حلّت بلبنان منذ الثمانينات الى اليوم.
هذا الامر دفع العديد من المراقبين الى التساؤل عمّا اذا كان هناك بالفعل قدرة لدى باسيل على ان يكون الرجل الذي يعرقل الجميع، والأهمّ عمّا إذا كان عون هو بالفعل الرئيس القوي الذي يتحكم بكل الامور دون قدرة احد في الداخل والخارج على تخطّيه. من المستغرب فعلاً ان نشهد على حقيقة أنّ عون لطالما اشتكى، ويشتكي، من أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية ضعيفة ولا يمكن الاستمرار فيها دون اعادة النظر ببعض النقاط التي تعيد اليها هيبة ما، فيما يقف كل اخصامه في السياسة في خانة واحدة، ويعترفون بأنهم عاجزون عن القيام بأي خطوة او حركة من دون موافقة عون عليها او تخطي عرقلته لها، وهذا يعني إمّا أنّ عون هو فعلاً رئيس قوي او ان الباقين هم فعلاً ضعفاء ويرفضون الاعتراف بذلك. من المعروف ان النظام فيلبنان ليس رئاسياً، وان صلاحيات الرئيس محدودة، ولطالما عاينّا في العقود الماضية من الزمن، معاناة رؤساء الجمهورية في تحقيق مطالبهم، وعلى الرغم من تمتّعه بكتلة نيابية كبيرة ونسبة وازنة من الوزراء في الحكومة، رفع عون الصوت اكثر من مرّة للقول أنّ السياسيين تكتّلوا ضدّه ومنعوه من تحقيق ما يصبو اليه، في وقت يستمر هؤلاء في اعتباره حجر العثرة الاساسي في انقاذ البلاد من مصير مشؤوم يخيّم عليها منذ اكثر من سنة ونصف السنة، فمن نصدّق؟.
اذا كان عون لا يتمتع بالشعبيّة اللازمة، وبالصلاحيات الدستورية، وبالدعم المحلّي والخارجي كي يعمد الى عرقلة كل الامور، فما الذي يمنع الضغط عليه من باب القانون والدستور كي يليّن مواقفه وينضمّ الى المسؤولين السياسيين ورؤساء الاحزاب الذين يقولون أنّهم يعملون ليل نهار لانتشال لبنان من محنته وضائقته الصعبة؟.وهل كان من السهل ايجاد الحلول لكل الرؤساء السابقين لجهة تطويقهم وعزلهم وابعادهم عن اتخاذ القرارات، فيما ليس هناك من سبيل للقيام بخطوة ممثالة مع عون؟ الجواب بالطبع لا، وهذا يترك المجال امام الخيار الثاني الذي يشدّد على ضعف أخصام عون السياسيين، وانقسامهم وعدم صدقهم في ما يقولون لجهة وضع الحسابات الشخصيّة جانباً في سبيل المصلحة العامّة، فتتجلّى قوّة رئيس الجمهوريّة من خلال ضعفهم وتشرذمهم، وهذا إنْ دلّ على شيء، فعلى أنّ النظام اللبناني فاشل ليس بسبب بنوده، بل بسبب شعبه ونوابه ومسؤوليه ورؤساء أحزابه، الّذين لا يطمحون سوى الى مصالحهم وابقاء شعبيتهم بين المؤيدين على قيد الحياة، كونها السبيل الوحيد لابقاء نفوذهم واستمرارهم في الحياة العامة.
تجربة عون هذه، قد تفتح الباب أمام حصول تغيير في الحديث عن الصلاحيّات، بدل ان تكون مدخلاً لاجراء تقييم شامل لافكار اللبنانيين وتبعيتهم الخاطئة لاشخاص، بدل ان يتبعوا نظاماً او منهجاً او افكاراً تأسيسية قادرة على الاستمرار، بغض النظر عن هوية المسؤول، فتتأكد عندها استمرارية الخطط الموضوعة والاهداف المنوي تحقيقها، بدل ان تتعلق باشخاص قد يكونون وقد لا يكونون على قيد الحياة او في موقع المسؤولية عند موعد الاستحقاقات.